بعبارة «يا ريت» تم اختصار أحلام الشخصية الرئيسة للمسلسل اللبناني السوري الذي عرض أخيراً على عدد من الشاشات العربية، وفرض حالة من الإعجاب الممتزج ببعض عبارات الاستفهام الواقعية التي شملت مضمون المسلسل، وطريقة الطرح الجديدة التي أقدمت على تقديمها الكاتبة اللبنانية كلوديا مرشليان، وتولى إخراجها للشاشة فيليب أسمر بمعية عدد من نجوم الدراما السورية واللبنانية والمصرية. ضفاف «المتوقع» أداء أغلب شخصيات العمل جاء متاخماً لحدود المتوقع، بالرغم من الأداء غير المقنع وبعض المبالغات الواضحة للممثلة ماغي أبوغصن، التي تقمصت شخصية «جنى»، فلم تستطع إقناع المشاهد في الكثير من ردود الأفعال والتصرفات المرافقة لمسالك الشخصية التي أوقعت نفسها في مطب التكرار والروتين، وأشعرتنا في الكثير من الأحيان بالضجر في ظل تمسكها بمستوى الأداء نفسه طوال مشاهد العمل، مطب تجاوزته «باميلا الكيك» بشكل أفضل تمكنت من خلاله من إقناع الجمهور بشخصية «تينا»، من دون أن تنجح في امتحان تقديم شخصية معلمة الباليه. الممثل قيس شيخ نجيب قدم شخصية اتسمت بالكثير من الاتزان والواقعية، فنجح في إقناع الجمهور بأدائه المتقن وطريقة تعاطيه مع أزمته العاطفية المعقدة مع «جنى» التي كللت بالنجاح والارتباط، فيما قدم الممثل اللبناني وسام حنا دوراً جديداً ومقنعاً جداً نجح من خلاله في تقديم شخصية شقيق «جنى» المريض النفسي الذي يتعرض لاضطهاد والده، ما يدفعه إلى البحث عن الأمان والحب خارج حدود البيت الأسري، ليلتقي بشخصية «زوزو» اللافتة وتفاصيلها الجميلة التي تسهم في تغيير مجرى الأمور لصالح تثبيت مضمون العمل ومجريات أحداثه التي جمعت هموم شخوصه بتعويذة التمنّي. هل يمكن أن يقع المرء في حب شخصين في الوقت نفسه؟ وكيف يمكن لمارشليان تبرير تبعات هذا المنعرج العاطفي الجديد بطريقة تنطق بالحقيقة وتوصد باب الخيارات أمام البطل الذي يقحم المشاهد على مدى 30 حلقة في نهج المتاهات النفسية التي أتبعتها مارشليان بكومة من الأحداث السياسية والاجتماعية التي واكبت بها مسارات شخصياتها الدرامية بشكل اختلط فيه الهم الفردي بالهم الجماعي، والألم السوري بالقضايا الإنسانية العاجلة، لعله أحد الخيارات التي فضلت به الكاتبة سرد محاور المسلسل وشخصياته في بيئة «أزماتية» طغت عليها هالة الجماليات البصرية المستوحاة من طريقة «الفيديو كليب الغنائي» التي تميز بها فيليب أسمر مخرج العمل، ووظفها ضمن توليفة أحداث العمل للتخفيف من وطأة الأزمات الطارئة. بين قلبين في عودة إلى عقدة النص الأساسية، نقف مطولاً عند حالة بطل المسلسل وإشكالية تعلقه بحب امرأتين في وقت واحد، بطريقة بدت للوهلة الأولى غير منطقية وموغلة في الأنانية، لكن مع توالي نسق الأحداث، استطاع النص الدارمي الكشف عن كنه هذه المتاهات التي انحدر فيها البطل بشكل لا إرادي، من خلال قدرة الكاتبة على الولوج إلى أعماق الحياة النفسية والعاطفية للشخصية بطريقة مكنتها من إيصال الفكرة بشكل منطقي جعل المشاهد يبلغ مرحلة التعاطف مع البطل، وإقصاء الاعتبارات العقلانية والنواميس الاجتماعية التي زادتها جرأة الطرح ومنطقه الإنساني والدرامي بريقاً خاصاً، بالنظر إلى خلفية صراعات الشخصية النفسية القديمة مع ماضيها وأزماتها الحادة بسبب وفاة الشقيقة التوأم «زينة» منتحرة، وتشتت إياد بين ابنته الوحيدة وقصة زواجه الفاشلة من فتاة أجنبية من جهة، وبحثه الدائم عن الجانب الضائع في علاقته بدكتورة الفيزياء «جنى»، وعلاقته التي ظهرت مصادفة في الأفق بمدرسة الباليه اللبنانية «تينا»، التي سرعان ما تحولت إلى علاقة حب ضارية تعقدت فيها الأحداث لتصل إلى ذروة الأزمة المتوقعة والخسارة الحتمية لكلا العلاقتين، وبقاء إياد وحيداً. أزمات الإنسانية من جهة أخرى، يحسب لكاتبة العمل نجاحها في طرح فكرة الأزمة الإنسانية السورية بأسلوب يلامس عقل المشاهد العربي العادي من خلال قصة لجوء عائلة سورية إلى إحدى القرى اللبنانية المجاورة للحدود بين البلدين، وزحفها تحت وطأة واقع مأساوي فرضه راهن الحرب وقسوة الابن الثائر «إياد» الذي انتقم من عائلته واعتبرها السبب الأساسي في وفاة شقيقته التوأم «زينة»، إلا أن مرض والدته في بداية المسلسل وإصرار «جنى» على ضرورة عودته لملاقاة والدته، دفع بالأحداث الدرامية إلى نسق تصاعدي حافظ عليه العمل في بقية حلقاته، إلى حين انفكاك العقدة الدرامية بتصالح إياد مع عائلته، واكتشافه استحالة الجمع بين قلبين في الوقت نفسه. أما على صعيد الصورة الإخراجية، فلا شك أن مخرج الأغنيات المصورة فيليب أسمر قد بالغ في تقديم مجمل المشاهد الخارجية للعمل، وذلك عبر الاحتفاء الممعن بالسينوغرافيا التي أخذت في كثير من الأحيان طابع الاحتفاليات البصرية الخارجة عن المنطق والأقرب إلى طريقة «الكليبات» الغنائية، لاسيما في الجزء المتعلق بتقطيع المشاهد وزوايا الكاميرا، وقائمة المؤثرات البصرية «البراقة» التي رافقت ديكور «الأزمة»، وتعارضت مع واقعها وواقع أهلها المهجرين.
مشاركة :