الحكمة من خلق البشر الإنس والجن «الثّقلين» كان لمقصد عظيم وحكمة بالغة، وأنهم ما خُلِقُوا في هذه الدنيا، إلا لأنها مزرعة الآخرة، ونتيجة هذه الدنيا أن الجزاء الذي سيحصّله كل فرد بعد الموت:إما سعادة أبدية، أو شقاوة، فالدنيا ممر والآخرة مقرّ، ألا ترى أن الأجير إذا اشتغل عند الإنسان لا يعطيه أجرته إلا بعد إتمام العمل، فإن أتقنه فلا بد من مبادرته بأجرته كما في الأثر: «أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه». فسبحان القائل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (115) سورة المؤمنون. فكل مخلوق في الحياة الدنيا جاء لهدف نبيل هو عبادة الله وحده وأداء حق الله بعبادته حسبما أمر سبحانه، من الأولين إلى الآخرين، وأداء هذا الحق بعبادةٍ حسبما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر، لأن دين الله واحد لا يتغير ولا يتبدل والمعبود سبحانه واحد، «وقوله حق» في سورة الذاريات: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (56) - (58) سورة الذاريات. ألا ترى أيها القارئ أن ديننا يدعو إلى الرحمة والتعاطف والعشرة والمودة فيما بيننا. فالله سبحانه رب العزة والمودة والتراحم ليس في حاجة إلينا، بل العباد هم في حاجة إليه سبحانه ويجازي على الإحسان إحساناً كما جاء في الحديث القدسي: (لا يزال عبدي يتنفل ويتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وعينه التي ينظر بها ويده التي يبطش بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه). إلى آخر هذا الحديث المتفق عليه، وأوله: «ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.» إلى آخره. والخالق جل وعلا كرّم الإنسان بأن جعل له قلباً يعقل ولساناً ناطقاً يذكر ربه ويسبحه، ويستعمله في سبل الخير، وفضّله على كثير مما خلق، من أجل أداء حق هذه النعم التي لا تحص قال سبحانه: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34) سورة إبراهيم. وقد فُضّل الإنسان على كثير مما خلق الله، وقد وعد الله بني إسرائيل إن أطاعوا أمره استجابة لرسله وإتباع شرعه الذي شرعه لهم كما قال سبحانه: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (129) سورة الأعراف. لكنهم عصوا أمر الله فكان عقابهم التيه 40 سنة حتى هلك العُصاة وجاء من بعدهم جيل آخر. وما جاءت هذه الشرائع إلا لحكمة، ليتميز بها المستجيب من العاصي، وتتضح بذلك مكانة الناس، حيث اقتضت إرادة الله أن من الخلق من هو خبيث النفس سيئ العمل فهذا جزاؤه جهنم بسبب سوء عمله وعناده وكفرانه نعمة الله، كما أن من الخلق من هو طيّب النفس حسن العمل مستجيباً لأمر الله في شرعه الذي تبلّغ به، فجزاؤه الجنة في دار الخلود، كما قال الله سبحانه في الحديث القدسي:(يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه، جفت الأقلام وطُويت الصحف). وفي حياة الناس الخاصة: لماذا لا نتبرّم من الامتحانات المدرسية، التي هي مقياس النجاح والرسوب، ومقياس التفاوت بين البعض، ونرى كل فرد يرضى بنتيجته، ويستسلم لنتائج هذه المقاييس، لأنه مطمئن لنتيجته التي هي مقياس لجهده، بالإدراك لما أوصله سعيه بين الحالين:فوز أو إخفاق، وهناك عبارة مألوفة:عند الامتحان يكرم المرء أو يهان. ولا يجب أن ننسى مكانة العقل، وأهميته في تصريف الأمور، فالحكمة قياسها العقل، وهو ضالة المؤمن، كما أنه هبة من الله حتى يستقيم صاحبه. وللحديث صلة؛؛؛
مشاركة :