الألمان يعانون ضغط العمل وضيق الوقت

  • 7/22/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الألماني هو الذي ينظر إلى الساعة باستمرار، ويحمل دفتراً للمواعيد يكون مزدحماً بها غالباً. فإذا أراد أن ينظّم حفلة بسيطة يدعو إليها أصدقاءه المقرّبين، عليه أن يحدد موعدها قبل أشهر، وأن يُعلم المدعوين قبل وقت طويل. فهو يعاني ضغطاً دائماً اسمه انعدام الوقت. هذه هي الصورة العامة للألمان الذين يعملون، ويسعون لتحقيق مزيد من النجاح في حياتهم المهنية، و «ليس لدي وقت لهذا» قد تكون من أكثر الجمل المستخدمة لتبرير أشياء كثيرة لا يستطيع الألماني فعلها. حتى أن نساءً كثيرات يؤجلن الحمل لأنهن مشغولات في تطوير أنفسهن مهنياً، أو لأنهن وجدن عملاً مناسباً تزامناً مع قرارهن بالحمل، فأجلنه لمصلحة العمل. كما أن زيارة الأقارب أو الوالدين من الأمور التي ألغاها ضيق الوقت أو انعدامه وقلل من أهميتها. وذلك لا يتوقّف عند الأمور المهمة في الحياة التي لا يجد الألماني لها الوقت الكافي، فأحياناً تكون حتى أبسط الأشياء كوضع قليل من أحمر الشفاه أو شراء حذاء جديد، مؤجلة أو ملغاة نظراً إلى ضيق الوقت. ويعتبر بعضهم أن التكنولوجيا الحديثة ساهمت في حلّ أزمات كثيرة متعلقة بضيق الوقت، وعلى رغم ذلك لا يزال الوقت قليلاً. يبقى السبت والأحد يومين مقدسين للراحة، حتى أن القانون الألماني يحرم إصدار أي إزعاج أو أصوات أو تشغيل أي ماكينة أو آلة في يوم الأحد، ليتنفس الألماني الصعداء قبل أن يبدأ الكرّة من جديد مع بداية أسبوع آخر. وتسبب عوامل عدة انعدام الوقت، في مقدمها العمل الضاغط خلال ساعات طويلة، الخوف من فقدان العمل، ما يدفع المرء لأن يصبح العمل فقط محور حياته، ويجتهد للمحافظة عليه وتقديم الوقت الكافي لإنجاز المهمات المطلوبة، حتى لو كان ذلك على حساب العائلة أو الأصدقاء أو الراحة الشخصية. لذا، تصدّر الخوف من فقدان العمل المرتبة الأولى في ألمانيا بين المخاوف التي يعاني منها الألماني. وفضلاً عن الوقت الضاغط، فإن بيئة العمل السيئة والإجهاد العاطفي من الأمور التي يعاني منها العامل الألماني يومياً. إذ يشعر العمال أنهم تحت الضغط خلال عملهم وفقاً لنتائج دراسة PRONOVA BBK للتأمين، التي أظهرت أن 86 في المئة من العاملين الذي شملهم الاستطلاع وهم في الفئة العمرية بين 18 و39 سنة، يعانون من الإجهاد في مكان العمل. وتأتي المناوبات (فترات الدوام) في آخر لائحة الأمور المزعجة في العمل. وعلى رغم ذلك، يبدو أن الموظف الألماني أفضل حالاً من غيره في العالم. فقد أصدر موقع «شتاتيستك» نتائج بحث رصد حال الموظفين وارتياحهم في مواقع العمل في عدد من البلدان. فجاءت الهند في الصدارة تلتها المكسيك ثم الولايات المتحدة. وحلّت ألمانيا رابعة واليابان في ذيل اللائحة. وفي هذا الصدد، جمعت «الحياة» آراء متعددة لعاملين في قطاعات مختلفة، شرح أصحابها معاناتهم مع ضغط الوقت في العمل. جوليانا منل، ممرضة في هامبورغ، تقول: «يتطلّب النجاح في مهنة التمريض المرور بمراحل عدة. ويتطلّب هذا الترقي جهداً كبيراً من مرافقة سيارات الإسعاف ليلاً، إلى المناوبات المتتالية، إلى تأدية مهمات عصيبة كتنظيف المريض ومخلّفاته، وهذا يستمر سنوات قبل أن يحصل الممرض على ترقية ما. فالترقي في العمل يتطلب وقت عمل طويلاً». وتقول تينا العاملة في مجال الهندسة الإلكترونية، أنه يتعيّن على المرء «في مجال اختصاصنا أن يتابع البحث دائماً وأن يطوّر نفسه ويواكب كل جديد، وإلا تراجع وعندها هناك من هو جاهز ليحلّ محله. وبالتالي، تنمية الكفاءة تتطلّب ساعات طويلة من البحث والمراجعة». وتؤكّد ماريا أنها تدرس وتجتهد «لأكون مساعدة اجتماعية. مشكلتي تشبه مشكلة كثيرين، علي أن أدرس كثيراً ودراستي ستكلّف أيضاً أهلي أموالاً كثيرة. وفي النهاية المدخول المالي الذي أحصّله من عملي لا يكافىء الوقت الذي أمضيته في الجامعة ولا الأموال التي أنفقت علي. وسأمضي سنوات ربما كي أستطيع جمع مبلغ مالي. ولعلّ هذه الأفكار تشكّل ضغطاً كبيراً علي». وتعمل مريانا فيمبر موظفة حكومية، ينحصر مجمل عملها على الحاسوب، وتعتبر أن المراسلات الإلكترونية المطلوب إنجازها لا تنتهي، مشيرة إلى أن هناك «جديداً كل يوم إضافة إلى ما بقي من اليوم السابق. لذا أضطر للعمل بعد الدوام. وعندما أشتكي لمديري المباشر، يجيب بأن لا أحد يستطيع القيام بهذه المهمات كما تؤدينها». ويجد بعضهم أحياناً أن نوع الإطراء الذي يتلقونه من المسؤولين، ينطوي على تطويعهم للقبول بكمية عمل أكبر من دون حصولهم على علاوة إضافية أو زيادة في الدخل. وتؤكّد المحللة الإجتماعية سابينا شولدر لـ «الحياة» أن «الأعباء الملقاة على عاتق الشباب في مرحلة الدراسة خصوصاً، ثم في مرحلة العمل، تشعرهم بضغط كبير، وتدفعهم لليأس أو محاولة الانتحار». وتلفت إلى «حالات كثيرة تعاينها في عياداتها أصحابها شبان وشابات يشعرون أنهم لا يستطيعون إنجاز ما هو مطلوب منهم في الدراسة أو العمل، فهو يفوق طاقتهم ومطلوب منهم في وقت قصير جداً». ويعزو كثر هذا الوضع إلى أنه ضريبة العولمة وميزتها الأولى السرعة. وتعتبر شتفني بوف، التي تعد أطروحة دكتورا عن الخط العربي وبداية الترقيم في الشرق، أن الطلب من طلبة الدكتورا أو الباحثين الاستعجال بتسليم أطروحاتهم «مناف أحياناً لطبيعة البحث. لأن البحث والدراسات وإيجاد حلول جديدة يتطلّب وقتاً طويلاً وجهداً يصرفهما الباحث في ألمانيا الذي يقع بين ضغط الوقت وضغط العقل. فالعقل ليس دائماً طوعاً لنا، ما يجعلنا في ورطة بين الزمن الذي يحتاجه العقل لكي يبدع ويخرج بأفضل النتائج، وبين المهلة التي علينا تسليم دراستنا أو رسالتنا خلالها». ووفق شتفني يجب أن تكون عملية التفكير خارجة عن تحديد الزمن.

مشاركة :