بينما يجد البعض مشقة في النهوض من الفراش في الوقت المحدد صباحا، يفلح آخرون في ممارسة بعض التمارين الرياضية، أو تعلم دروس جديدة في لغة ما، أو إنجاز مهام أخرى، قبل الذهاب إلى العمل. وقبل أن تطأ قدماه مقر عمله، يذهب في نزهة قصيرة حول حديقة قريبة ليجمع شتات أفكاره قبل أن يجلس في مكتبه ويبدأ العمل في الساعة التاسعة صباحاً. وفي أيام الخميس، توفر له البداية المبكرة بشكل استثنائي في الخامسة والثلث صباحاً وقتاً إضافيا ليتعلم درساً في اللغة الألمانية قبل أن يبدأ العمل. ويعمل باول 70 ساعة في الأسبوع محامياً لبراءات الاختراع في نوتنغهام بالمملكة المتحدة. وقد أجبرته مقتضيات المهنة على أن يضع روتينا صباحيا ذا مستوى عالٍ من التنظيم والترتيب. ويساعده انضباطه في الصباح على إنجاز أمور أكثر خلال يوم عمله، حسب قوله. ومع هذا، لم يعتد باول النهوض المبكر هكذا بشكل تلقائي، ولولا استخدام ساعة التنبيه لتوقظه في الصباح، لكان على الأرجح سينام حتى وقت متأخر، كما يقول. ويُقر باول بأن ذلك الروتين "تولد بمرور الزمن نوعاً ما. فلن تنطلق من اليوم الأول لتبدو كأنك أحد المحاربين الخارقين". وليس باول الشخص الوحيد الذي يتبع مثل هذا النظام الصباحي. إذ ينهض الكثير من الأشخاص المشغولين والناجحين أيضا في الصباح الباكر، فيستيقظون وقت الفجر لينجزوا العديد من المهام قبل أن ينشغلوا بكثير من الأمور الأخرى خلال النهار. ويُعرف عن آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة فوغ، أنها تبدأ يومها في السادسة إلا ربع صباحاً، وتلعب كرة التنس لمدة ساعة قبل العمل. Image copyright iStock ويتفق الخبراء على أن الفترة ما بين الاستيقاظ والذهاب إلى العمل هي فترة مثالية للقيام بالأنشطة المرتبطة بالاهتمامات الشخصية، أو تلك التي تحتاج منا إلى انضباط واستمرار، ولكنها لا تتعلق بالضرورة بطبيعة الوظائف التي نشغلها. ويعني ذلك بالنسبة للبعض فرصة لممارسة التمارين الرياضية، ويعني لآخرين قضاء بعض الوقت مع العائلة، أو تأليف رواية ما. لكن كيف يمكنك أن تكتسب عادة النهوض مبكرا؟اكتساب عادات صحية يقول مارتن هاغر، البروفيسور في كلية علم النفس وأمراض النطق بجامعة كيرتن في مدينة برث الاسترالية: "ترتبط الممارسات الروتينية بالعادات بصورة قوية". ويبحث هاغر في مسألة التحكم في الذات، أو بعبارة أخرى، كيف يمكن للناس التحكم في سلوكياتهم. وقد أظهر بحثه الأخير أن اكتساب روتين ما يمكنه أن يصبح وسيلة فعالة لتكوين عادات صحية، فهي تقلل من الجهد المصاحب عادة لاتخاذ القرارات. ويقول هاغر: "مع وجود روتين صباحي، يمكن حتى للأشخاص المحبين للسهر أن يتعودوا على النهوض مبكرا، والقيام بأمور شاقة في الصباح." وقد طبق هاغر بحثه ذلك على حياته اليومية، فهو يستيقظ أكثر الأيام في الساعة السادسة صباحاً ليمارس التمارين الرياضية، ويتناول إفطاراً صحياً قبل أن يتجه إلى مقر عمله في الثامنة صباحاً. ويقول هاغر إنه لو ترك ممارسة التمارين الرياضية لما بعد انتهاء يوم عمله، فإنه يعرف أنه سيكون مُتعباً جداً، أو أن أموراً أخرى ستغريه، وتصرفه عن ممارسة التمارين. لذا، قبل الذهاب إلى فراش النوم، يجهز هاغر أدواته الرياضية، ويضبط ساعة التنبيه ليستيقظ في الصباح الباكر. غير أنه لا توجد قواعد وأنظمة جامدة أو سريعة لاكتساب تلك العادة. ويقول الخبراء إنه ليس هناك وقت مثالي واحد لتبدأ عنده يومك، فلكل شخص أهداف ومواعيد ومواقف حياتية مختلفة. Image copyright Emily Jones ويكمن مفتاح الحل في تحديد وقت معين للتمارين الصباحية التي تلائمك. وإذا كنت تجد صعوبة في الاستيقاظ مبكرا، فعليك ضبط ساعة التنبيه لديك لتوقظك في وقت مبكر كل يوم، حتى يصبح الاستيقاظ مبكرا من عاداتك اليومية. وتقول لورا فانديركام، مؤلفة كتاب "ما الذي يفعله أكثر المتفوقين قبل الإفطار": "إنه وقت لا يمكن أخذه منك بسهولة". وتضيف: "سيحصل بقية الناس في هذا العالم على ما يحتاجون إليه منك خلال النهار، لكن الصباح هو وقتك أنت."أولويات شخصية سجلت فانديركام وقائع حياة بعض الأشخاص الذين يعملون في وظائف ذات متطلبات كثيرة، ووجدت أنهم يستعملون وقت الصباح الباكر لإنجاز ما لديهم من أولويات، وأنشطة شخصية تقتضي الكثير من الانضباط. وتقول فانديركام: "إذا كان هناك شيء تريد القيام به، ولكنك لا تجد المجال الكافي في الوقت المتبقي من حياتك، أقترح عليك محاولة اتباع روتين صباحي". وتضيف أن بدء الأنشطة في الصباح الباكر يسهل عليك الذهاب إلى الفراش مبكرا في المساء، وبالتالي عدم إهدار ساعات المساء التي يقضيها أغلب الناس في تصفح مواقع الانترنت أو مشاهدة التلفاز. ويقضي الناس الذين تصفهم فانديركام في كتابها فترات الصباح في ممارسة التمارين الرياضية، أو التأمل، أو تخصيص جزء من الوقت للجلوس من شركاء حياتهم أو أبنائهم. ومن بين هؤلاء، تقضي امرأة تحدثت إليها فانديركام وقتها في الدراسة في مجال تريد الاستمرار فيه فيما بعد في حياتها. وتقول فانديركام: "لقد أوضّحت لي قائلة ’لي وظيفة أثناء النهار، وفي الصباح لي مساري المهني." Image copyright iStock ويمكن لمحبي السهر أيضا أن يستفيدوا كثيرا من الروتين الصباحي، تماماً مثل أولئك الذين يحبون الاستيقاظ مبكراً، حسب رأي مارييك ويرث، الأستاذة المساعدة في قسم العلوم النفسية بكلية ألبيون في ولاية ميشيغان الأمريكية. وتجري ويرث أبحاثاً عن كيفية تأثير وقت محدد من اليوم على إيجاد الناس لحلول للمشاكل اليومية. وقد توصلت إلى أنه عندما يتعلق الأمر بمهام إبداعية، يؤدي الناس أعمالهم بشكل أفضل أثناء الأوقات غير المثالية من اليوم، لذا على محبي السهر أن يركزوا على تطوير مستقبلهم المهني في فترات الصباح. كما يمكن لاتباع روتين صباحي أن يساعد الناس أيضاً على مواجهة تحديات وظيفية معينة، حسبما يوضح روي بومايستر، أستاذ علم النفس في جامعة فلوريدا الحكومية، والمؤلف المشارك لكتاب "قوة الإرادة: إعادة اكتشاف أعظم قوة لدى الإنسان". ويشير بحث نشره بومايستر إلى أن قوة الإرادة ذات موارد محدودة، وتنضب عبر ساعات النهار. ويقول بومايستر: "قوة الإرادة مهمة لمقاومة المغريات، وللتأقلم مع المتطلبات الخارجية، ولاتخاذ القرارات، ولكل الأمور التي تحتاج للقيام بها كي تكون ناجحاً". وتتيح عادة الاستيقاظ المبكر المحافظة على قوة الإرادة لإنجاز مهام أكثر تعقيداً في بيئة العمل. فعدم الحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن ما يمكن أن تتناوله في وجبة الإفطار، مثل الاختيار بين كعكة محلاه، أو أخرى مصنوعة من دقيق الشوفان، أو صرف جزء من الطاقة لتقرر ما إذا كنت ستمارس بعض التمارين أو كيف ستمارسها، كل ذلك يحافظ على قوة الإرادة لديك لاستعمالها في اتخاذ قرارات أهم وأكبر خلال ساعات النهار، حسبما يقول بومايستر. ويضيف: "الأمر الفعال الذي عليك القيام به هو أن تنظم فترتك الصباحية بشكل جيد." يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.
مشاركة :