رغم تصاعد الاهتمام بمكافحة الارهاب على صعيد المجتمع الدولي فان الارهاب الذي ضرب مدينة نيس الفرنسية الاسبوع الماضي يمثل في نظر بعض المحللين السياسيين اسوأ الكوابيس التي يمكن ان يتوقعها مسؤولو الأمن في أوروبا. وفي تعليق على هذا العمل الاجرامي ثمة من يرى انه رغم التعاون الأمني المتزايد بين اجهزة الاستخبارات الاوروبية بعد هجمات بلجيكا في مارس 2016 فإن منع هذه النوعية من العمليات الإرهابية امر صعب جداً، في حين ترى روسيا وعلى لسان مسؤول العلاقات الخارجية الكس بوشكوف ان الاستنتاج الاكثر أهمية الذي يجب الخروج به مما يحدث الآن في العالم يتلخص في ضرورة التحول من أقوال الشجب والاستنكار إلى الافعال المحددة المشتركة على المستوى العالمي. وفي مقابل ذلك يقول أحد الباحثين في الشؤون الاوروبية ان التنظيمات الارهابية مثل داعش تحاول قلب الطاولة على الدول الاوروبية بينما تتكثف الضربات الموجعة على التنظيم في العراق وسوريا. في اطار مكافحة الإرهاب وما يصاحبه من مخططات امنية وعمليات عسكرية في ظل بيئة اقليمية ودولية شهدت تحالفات تقودها الولايات المتحدة واخرى روسيا فانه من المؤكد ان الموضوعية تقتضي الاعتراف بان الارهاب لم يأتِ من فراغ، وان استفحال هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد البشرية لا تعود فقط إلى التيارات الجهادية السلفية المتطرفة التي تبحث عن منهاج الحكم في الاسلام خارج منطق العقل وحركة التاريخ، وهو كما يراه البعض من الباحثين يفتح الباب على تعصبات مختلفة للدين والمذهب والطائفة والعرق والايديولوجيا، إلى درجة تجعل التعايش صعباً، وهو ما تجسده ثقافة الكراهية لدى الاسلام السياسي، خصوصاً التيار الجهادي، بل تعود ايضاً إلى مراجع التراث الديني، وفي مقدمتها كتابات ابن تيمية ومؤلفات ابن القيم خاصة ما يتعلق بالجهاد والعقيدة، وافكار سيد قطب ومحمد قطب وابو الأعلى المودودي، ولاسيما فيما يتعلق بمفاهيم الجاهلية والحاكمية والعصبة المؤمنة. وهو ما يؤمن به الافغان العرب الذين ساهموا في الحرب السوفيتية في افغانستان بدعم امريكي وايراني ودول اقليمية بحجة التصدي للشيوعية، وترجع ايضاً إلى المصالح الامريكية وسياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها في الشرق الأوسط، ولا يمكن فصل ما يجري من ارهاب عن الدور الإيراني وهو يراهن على احتلال دول المنطقة وعن الأهداف الاسرائيلية ودول الغرب! وحين نتساءل لماذا تتفاقم ظاهرة الإرهاب؟ يعني نتساءل عن جوهر الخطاب الديني الداعي للعنف والإرهاب، وعن تلك الجهات العربية وغير العربية التي لاتزال تحتضن وتمول الإرهاب، وعن معاييرها المزدوجة التي تتبعها وعن فتاوى تجيز التكفير والقتل والدهس والسحق وعن مناهج تعليمية تثير شكوكًا كثيرة وكذلك لوجود فجوة واسعة بسبب الكراهية وازدراء الآخر! صحيح ان ظاهرة الارهاب مستمرة منذ قرون ولكنها للاسباب الآنفة الذكر وغيرها لها علاقة بفشل الدولة الوطنية في التنمية والتغيير الديمقراطي الذي يلبي الاحتياجات وفق مبدأ المساواة والعدالة وحكم القانون تحولت إلى ظاهرة تدميرية!! في ظل المناخ السياسي المحكوم بالمحاصصات الطائفية وانعدام الثقة في الآخر وفرض وصاية مرشد الجماعة والخليفة وولي الفقيه، والدعوة إلى عدم التعايش مع الديمقراطية تبرز الحاجة إلى وقفة جادة حول سؤال طرحه الكاتب د. شملان العيس في مقال له نشر في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 15-7-2016 بعنوان جذور التعصب والإرهاب وهو كيف استطاعت قوى الاسلام السياسي تطويع المساجد ودور العبادة في بعض بلداننا الخليجية، رغم حقيقة ان الحكومات هي المسؤولة الرئيسية عن قطاع المساجد ودور العبادة؟ الجواب في نظره: ان الحقيقة المرة تكمن في ثقة حكوماتنا برجال الدين والوعاظ وائمة المساجد، متصورين ان هؤلاء الائمة يحملون فكراً ونهجاً وسطياً للإسلام! بينما واقع الحال غير ذلك، فقد اكتشفنا ان هناك من ائمة المساجد ومن المواطنين من ينتمي إلى احزاب وحركات اسلامية مؤدلجة مسيسة، حيث استطاع هؤلاء المشايخ جرَّ الشباب وتجنيدهم لبرامجهم السياسية! ويستطرد العيس قائلاً: ففي الكويت مثلاً اوقفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سبعة ائمة لمخالفتهم ميثاق المنابر! والسؤال الآخر هو هل تستطيع الدول العربية والآسيوية الخروج من المأزق الذي تعيش فيه دون ممارسة نقد ذات، وحل الخلافات الدينية والمذهبية من خلال الحوار وتحكيم العقل والأخذ بمبدأ التسامح لحقن الدماء وايقاف الحروب العبثية؟ وهنا علينا ان نعي ان فكرة التسامح امر مكتسب وهي تأتي عن طريق التعليم والثقافة والتخلي عن الولاء القبلي والطائفي واحلال الولاء للوطن بدلاً عنهما. ورغم أهمية مواجهة الإرهاب امنياً وعسكرياً فان المعركة تتوقف على استئصال جذور العنف والتعصب والكراهية وكل الممارسات السياسية التي تدفع إلى ذلك، ولا يمكن محاربة الإرهاب وإزالة اسبابه من دون اعادة النظر في الخطاب الديني وتحرير برامج التعليم من الاقصاء والكراهية، وفصل الدين عن السياسة وترسيخ النظام الديمقراطي.
مشاركة :