مثّل التمدد الكبير الذي حققه تنظيم داعش في يونيو 2014، بسيطرته على مساحات واسعة من العراق وسورية وإسقاط الحدود الدولية بينهما، ناقوس خطر للدول الغربية والعربية، والتي سرعان ما انتبهت إلى ضرورة تنسيق الجهود لمواجهة خطر إرهاب "داعش"، وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما شنّ غارات ضد التنظيم في العراق، لتتوالى بعد ذلك فصول تدشين التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة عدد من الدول العربية، في مقدمتها المملكة العربية السعودية. وفي وقت بدأت عمليات التحالف داخل سورية في 23 سبتمبر 2014، أحجمت عدد من الدولة الأوروبية المشاركة في التحالف خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن توسيع عملياتها من العراق إلي سورية، الأمر الذي تغير لاحقا عقب هجمات باريس في نوفمبر 2015، إذ وسعت فرنسا من عملياتها في التحالف لتشمل الرقة بسورية، كما حذت بريطانيا حذو فرنسا لتمد عملياتها وقصفها الجوي من العراق إلي سورية، وتعهدت واشنطن بدعم وتدريب نحو 15 ألف مقاتل سوري من المعارضة المعتدلة بالتنسيق مع كل من السعودية والأردن وتركيا على مدار 3 سنوات، في محاولة لإيجاد بديل عسكري على الأرض يرث تداعيات إضعاف "داعش"، وفي الوقت نفسه يمهد لبروز جيش سوري بديل في حال سقوط الأسد. إضعاف هياكل التنظيم كان للضربات العسكرية التي استهدفت تنظيم داعش على يد "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش أكبر الأثر في إضعاف هياكله بسورية، مما بات يمثل ضغوطا جديدة على التنظيم، إذ أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في 16 مايو الماضي من أن التنظيم خسر بين 16 و20% من الأراضي تحت سيطرته في سورية". وتشير النتائج التي انتهى إليها مركز "جاين البريطاني للأبحاث حول الإرهاب"، في تقرير له بتاريخ 10 يوليو الجاري، إلى أن "داعش مني بخسائر ميدانية عدة في سورية، من أبرزها مدينة تل أبيض والتي خسرها في مايو من العام الماضي، وكذلك مدينة تدمر الأثرية والتي فقدها في 27 مارس الماضي، وأسفرت مواجهات تدمر عن مقتل الرجل الثاني في التنظيم بسورية عبدالرحمن القادولي، كما فقد مدينة كوباني على الحدود السورية التركية، ومناطق واسعة من ريف حلب وإدلب، كما تم طرد قواته من مدينة حمص وسط سورية، إضافة إلى خسارته عددا من المناطق الإستراتيجية في منطقة الغوطة التي كانت تحاصر العاصمة دمشق، وبات مقاتلو التنظيم محاصرين داخل مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، والتي تقع على طريق إمداد رئيسي لعناصر التنظيم بين سورية وتركيا المجاورة. "داعش" وبشار وتعقيبا حول مقولة "باق ويتمدد" والتي اتخذها "داعش" شعارا له، يحذر مدرس العلوم السياسية المساعد بجامعة أسيوط، الدكتور أحمد الشورى، من خطورة ما زرعه تنظيم داعش خلال فترة تنامي قوته في سورية، مضيفا أن "داعش استغل وجوده في سورية لتنشئة جيل أشد فتكا وعنفا، وذلك خلال مدارسه، إذ عمل على تنشئة جيل جديد تم تلقينهم مفاهيم متطرفة، وذلك بالتوازي مع الانضمام لمعسكرات التدريب بين سن 10 و15 عاما، وتربيتهم على العنف، وهو ما يعني أن العالم سيواجه جيلا جديدا من الإرهابيين والمتطرفين، إذا لم يتم القضاء على التنظيم". مصالح مشتركة يذهب الدكتور أحمد الشورى إلى أنه "لو لم يكن هناك داعش، لحاول نظام بشار الأسد، خلق نموذج آخر لداعش وغيره، ففي الوقت الذي قد يبدو فيه التحالف بين داعش والأسد غريبا، إلا أن واقع ما قام به داعش في سورية يكشف أن هناك تحالفاً قويا بينهما، وهو ما يعرف في علم السياسة بمصطلح "الأصدقاء الأعداء" والذين تجمعهم بعض المصالح المشتركة، مشيرا إلى أنه لولا داعش لسقط نظام الأسد قبل سنوات.
مشاركة :