منذ العصور القديمة، وعبر تاريخ البشرية، كانت الخرافات بمثابة عقيدة ثابتة وراسخة لدى الكثير من الناس، ويحاربون كل من فكر بطريقة مختلفة أو بشكل منطقي، خاصة عندما يحاول أن يشرح لهم الصواب. على سبيل المثال لا الحصر، قبل نحو خمسمئة عام، اعتقد الإنسان أن الأرض مسطحة وترتكز على ثلاثة حيتان، وكان كل من يعارض هذه الآراء غير المعقولة يُقتل بالشد على الحبال أو بالحرق. مضت عقود طويلة لم يجرؤ أحد خلالها على معارضة هذه الخرافة، رغم أن هناك دلائل على زيفها، مثل خط الأفق الرفيع الغامض الذي حيّر كل من كان مؤمناً بخرافة سطحية الأرض، لكنهم وجدوا تفسيراً بأن قالوا بأن هذا الأفق نهاية الأرض، وتقع خلفه دار الخلود، وأرض النعيم، والأعمدة التي تحمل الكرة السماوية، والباب الذي تخرج منه الشمس لترحل عبر السماء، ولكنهم لم يجازفوا بالذهاب إلى هناك، واكتفى الجميع بالخيال أمام كل مجهول. ورغم انتشار مثل هذه الخرافات، فإن بعض قدماء الإغريق تحدثوا عن كروية الأرض، وأجرى إيراتوثنيس قياسات لقُطر وحجم الأرض، وتوقع أرسطو ظاهرة انحناء سطح الأرض وكرويته بنفس الحجة البدائية التي نسوقها اليوم لأطفالنا للتدليل على كروية الأرض باختفاء جسم السفينة قبل شراعها عند بدء ابتعادها عن الشاطئ، وكذلك ملاحظة الشكل الدائري لظل الأرض على سطح القمر أثناء خسوفه لنرى قوساً من دائرة يؤكد كروية الأرض. من المحزن بأن أقول بأننا ونحن نعيش في هذا العصر لا زال يعيش بيننا أناس يتعرضون للاضطهاد والإهانة، والسبب حملهم آراء قد لا تعجب السواد الأعظم، فضلاً عن أن آراءهم غير ضارة ومسالمة وعلمية؛ لأن الناس أعداء ما جهلوا وأنا أتحدث تحديداً عن بعض من مجتمعاتنا العربية. ويمكنك رصد الضيق من الآخر وتسفيه كل من يختلف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيس بوك، من فئات فعلاً تحمل عقداً وأمراضاً نفسية ناتجة عن إخفاقها وفشلها الفردي، مما انعكس سلباً على نظرتها إلى الإبداع والمبدعين، بل انعكس على نظرتها إلى المجتمع وطبيعة التطور البشري. هؤلاء أجزم بأنهم في صراع دائم مع أنفسهم، وخصومة مستمرة مع من حولهم؛ لأنهم يحملون شخصيات مهزوزة لهذا لا غرابة أن تنعكس هذه الحالة النفسية والعدوانية على واقع الإبداع والمبدعين في عالمنا العربي. في المقابل، المطلوب منا هو مكافحة أصوات التأخر والرجعية، وتجاوزها للمستقبل والبناء الحضاري والاختراع والابتكار، إذا أراد عالمنا العربي التقدم، فعليه التخلص من الخطاب المحبط الذي يقلل من أفكار ومنجزات مبدعيه ومخترعيه. شيماء المرزوقي Shaima.author@hotmail.com Www.shaimaalmarzooqi.com
مشاركة :