ما وراء الانقلاب العسكري في تركيا

  • 7/24/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ما وراء الانقلاب العسكري في تركيا لم تصمد تلك الرواية التي شاعت وذاعت، كالنار في الهشيم، بعد فشل المحاولة الانقلابية في تركيا طويلا، الرواية التي تقول بأن الانقلاب العسكري ليلة 15/7 هو مسرحية أردوغانية قام بها أردوغان من أجل تثبيت دعائم حكمه، وتقوية أركان نظامه، لكي يغطي على فشل سياسته، وبالخصوص السياسة الخارجية، التي لم تجلب لتركيا إلا الأعداء والعزلة في منطقة موبوءة بالصراعات والحروب..، لم تصمد بعدما بدأت تتكشف خيوط المؤامرة، وقوة العملية، وسيرورتها في ذلك الزمن القصير، من استهداف للبرلمان، ومحاولة قتل الرئيس ورئيس الوزراء، واستلائهم على مقر التلفزيون، وتحكم الانقلابيين بالطائرات الحربية، وقصفهم للمنشآت الحيوية، ناهيك عن تواجدهم في الأرض بكثافة، هذا دون أن ننسى حجم الاعتقالات التي تستهدف عسكريين وقضاة و..، تحوم حولهم شبهات في التحضير للانقلاب والمشاركة فيه، ما يبين أن العملية قوية، وأنّها لا تستهدف أردوغان وحكومته فقط، بل تركيا وقوتها والمنطقة برمتها. تصوير الأمر بأن الانقلاب مجرد مسرحية، محاولة من طرف هؤلاء للتقليل من الصورة البطولية التي صنعها الشعب التركي برفضه للانقلاب العسكري، وتصديه لأعداء الديمقراطية والحرية بصدور عارية، ذلك أن الشعب التركي يعرف الانقلابات العسكرية جيداً، فقد عاش في ظلها طويلا، وخَبِر حقيقتها. قراءة أردوغان وحسابات الغرب: لقد أدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً أن الغرب ليس له أي نية أو رغبة في إنهاء الحرب في سوريا، وأن ما يقوم به هو مجرد تسيير للأزمة لا إنهائها، فقد رفعت أمريكا يدها عن الأزمة، وخفت صوت أوروبا في المحافل الدولية، وأمسكت روسيا بالملف السوري، وكما هو معروف، أن روسيا من أصدقاء النّظام السوري إذ تدخلت بسلاحها وطائراتها لحماية الأسد من السقوط، بالإضافة إلى إيران وحلفائها في المنطقة، بينما أصدقاء الشّعب السوري الثائر فلم يقدموا له سوى الكلام والتنديد والوعود الكاذبة، فلا المنطقة الآمنة أُنشئت، ولا مساعدات حربية للمعارضين قدمت، ولا مساعدات مالية للاجئين صرفت، ما جعل أردوغان يعيد قراءة المشهد من جديد، فقد يكون المستهدف من إطالة الحرب في سوريا هو تركيا.. تركيا القوة الأقليمية التي أصبحت تقلق الغرب، ويحسب لها ألف حساب، فقام بإعادة ترتيب البيت الداخلي لحكومته لإحداث تغييرات مهمة في علاقاته الخارجية، التي بدت في البداية صادمة للكثيرين، ولكن مع مرور الوقت، أدرك المتابعون بأنّها انحناءة ذكية لعاصفة هوجاء، لإنقاذ تركيا من فوضى مدمرة قد تفضي إلى تقسيم الإقليم بطريقة سهلة، فتركيا هي حامية المشرق من التقسيم إلى حد الآن، باعتبارها قوة سياسية واقتصادية وعسكرية. نتيجة لذلك، قام أردوغان بعدة خطوات استباقية من أجل تلطيف الأجواء، وتدفئة العلاقات مع الدول، التي تعيش معها تركيا فتوراً في العلاقات، واختلافاً في الرؤى في مسائل إقليمية، ومن ذلك: - إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد مقاطعة دامت ست سنوات، بسبب اقتحام قوات إسرائيلية لسفينة تركية كانت تقل نشطاء حاولت كسر الحصار على غزة في ماي 2010، ما أسفر عن مقتل عشرة أتراك، وللإشارة، فإن إسرائيل قدمت اعتذاراً رسمياً لتركيا، ومنحت الضحايا تعويضات مالية في 2013، وقد تضمن نص اتفاق التطبيع أيضاً القيام بمشاريع مهمة لقطاع غزة، منها تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية له، وكذا الأجهزة والمعدات، وبناء محطة لتوليد الكهرباء ومحطة تحلية الماء، وغيرها من المشاريع. - اعتذار تركيا لروسيا عن إسقاط طائراتها المقاتلة ومقتل طيارها في نوفمبر من العام الماضي في الحدود التركية السورية، مما أدى إلى فتور العلاقات بين الطرفين، وتصريحات نارية من مسؤولي الدولتين، جعلت العالم يحبس أنفاسه خوفاً من اشتعال حرب في المنطقة، ستمتد شظاياها إلى العالم كله، وقد تكون هذه الحادثة من تدبير الغرب من أجل دفع تركيا إلى الحرب مع روسيا، وخاصة بعد ثبوت أن من أسقط المقاتلة الروسية من المشاركين في الانقلاب. - تصريحات رئيس الوزراء التركي الجديد بن علي يلدريم بأن تركيا ستنتهج طريقاً جديداً في علاقاتها مع جيرانها، وقد وعد بأن بلاده مستعدة في إعادة النظر في ملفات إقليمية، وخاصة الملف السوري، ما فسر بأن تركيا تريد تحسين علاقاتها مع حلفاء النّظام السوري، كإيران والعراق. كانت هذه الإجراءات مهمة للحكومة التركية حتى تفتح صفحة جديدة مع جيرانها، ومع العالم الخارجي، ولكي تقلل من حجم المخاطر والتهديدات التي تحيق بها، بعدما رأت أن الغربَ متجه إلى تقسيم سوريا، وأن دولة كردية في الأفق، خاصة بعد الدعم العسكري واللوجستيكي الذي يُقدم للأكـراد في الحرب ضد " داعش ". إذن، فالأزمة السورية أصبحت تشكل تهديداً على أمن تركيا واستقرارها ووحدة أراضيها، لذلك تغيرت سياسات أردوغان مؤخراً، التي اعتبرها البعض تنازلات مذلة، ورآها البعض الأخر استدراكا لأخطائه، فيما قرأها آخرون بأن ضرورات المرحلة ودواعيها تحتم ذلك. أما الغرب، فإنّه يريد تركيا ضعيفة مترهلة، كالرجل المريض في بدايات القرن الماضي، لأن العالمَ مقبلُ على تغييرات بنيوية في نظامه، بإعادة ترتيب قائمة القوى العالمية من جديد، مما يَنْجر عن ذلك توزيع الكعكة مرة أخرى، وكلما أعيد التوزيع لا بد من قضم قطع أخرى من القطع السابقة، لإحداث التوازن في التوزيع بين المتنافسين، ومن أجل إرضاء الأطراف الجديدة التي انضمت إلى النادي العالمي. بمعنى آخر لا بد من إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، بإنشاء دول جديدة، ورسم خرائط أخرى، وهذا هو التفسير الوحيد للذي يجري في الأعوام الأخيرة، من اختلاق للأزمات، وافتعال للمآسي، ورفع لرايات الحرب على الإرهاب، كل ذلك حتى يجد الغرب المبرر للقيام بمشروعه. ولكي يُطمئن الغربُ العالمَ عليه أن يقدم تبريرات ومسوغات لخططه وأفعاله، لذلك يسوق بأن الحدود التي رسمت سابقاً، لم تجلب سوى الحروب والصراعات، أي " حدود دم " كما قال المفكر الأمريكي " صموئيل هنتنغتون "، ولا أمل في إنهاء هذه الحروب، والتقليل من فاتورة الدم والاقتتال إلا بإنشاء دول أخرى، وما يقوي هذا الطرح في رأيه، أي الغرب، هو الاصطفاف الطائفي والعرقي الذي تعيشه المنطقة، وبالتالي، ليس هناك من حل إلا بتأسيس دول جديدة على أساس مذهبي وعرقي، وبهذا يتحقق الاستقرار ويستتب الأمن في المنطقة. ولأن مشروعه هذا لا يمكن أن يُمَرّرَ بوجود قوة إقليمية كتركيا، كان لا بد من إضعاف هذه القوة بنشر الفوضى في أنحائها، وإشاعة الخوف وبث الرعب منها، وتلفيق الاتهامات والأكاذيب حول قيادتها، ومن ذلك أن قيادة تركيا تريد أسلمة بلدها، وإحياء الحلم العثماني من جديد، إلا أن هذه المخططات والاتهامات لم تصمد أمام إنجازات هذه القيادة التي نقلت تركيا من دولة متخلفة وضعيفة إلى دول متقدمة وقوية، وعندما لم تنجح كل هذه المخططات، كان لا بد من سيناريو آخر قوي وفعال، لإخضاع تركيا وإدخالها إلى بيت الطاعة، ولن يكون ذلك إلا بانقلاب عسكري يُبعد من خلاله أردوغان وحزبه من الحكم، ويتسلم العسكر زمام الأمور، وفي الأخير تركيا ضعيفة تأتمر بأوامر الغرب، وهكذا يتحقق السيناريو وينجح المخطط، إلا أن الشعب التركي الواعي أدرك أن القضية ليست أردوغان ولا حزب العدالة والتنمية إنما هي تركيا القوية ومسارها الديمقراطي ورقيّها الاقتصادي ورصيدها التنموي، فوقف ضد المؤامرة، وصد الانقلاب بصدور عارية. هذه هي قراءة أردوغان للوضع العالمي، ولهذا كان الانقلاب العسكري في تركيا فهو من صميم الإستراتيجية الغربية، لترويض هذه القوة وإخضاعها، قد يكون الشعب التركي ربح معركة في هذا الصراع الحاد، عندما أفشل الانقلاب وتصدى له بكل قوة، إلا أن الحرب ما زالت مستمرة، لأن الغرب لا يتوانى في إعادة الكرة مرة أخرى، وقد تفطنت الحكومة التركية لذلك، إذ طلبت من الشعب التركي أن يظل مرابطاً في السّاحات والميادين لإفشال أي محاولة أخرى. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :