لا تصدقوا كل من يصفق لأي تصعيد بين إيران والسعودية، إن كثيراً من المصفقين كانوا يتمنون خاتمة القدح المعلى (لتركيا إردوغان) على حساب أوطانهم وعروبتهم، حمى الله الوطن من حب الغوغاء الأغبياء إيران هي إيران التي رأت في نفسها قبل عقود أنها (شرطي الخليج)، لكنها استبدلت عنجهية الشاه بملق الملالي، وارتمت في حضن روسيا بدلاً من أميركا كعبدالناصر، وستترك روسيا يوماً وترتمي في حضن أميركا كالسادات، مع مراعاة فارق الزمن والإمكانات ومستوى السيادة ونضج التجربة بين إيران ومصر، وكما لم يعجزنا التعامل مع عنجهية الشاه ليكون صديقاً، فلن يعجزنا التعامل مع ملق الملالي، فالعرب الشيعة في العراق يعانون من اغتيالات داخلية شيعية شيعية، تشبه الاغتيالات التي يعانيها السنة بسبب أبنائهم، فالتزمت الديني موجود في كل طائفة بما يتناسب وحجمها وظرفها التاريخي، وبهذا يتلاعب شيوخ وملالي الإسلام السياسي من كلتا الطائفتين بعقول الدهماء، لتضيع بوصلة المراقب في تحديد الخصوم، فداعش إيرانية إذا قتلت سنياً، وسنية إذا قتلت شيعياً أو مسيحياً أو إيزيدياً، والميليشيا الشيعية سنية إذا قتلت الشيعة المخلصين لحزب البعث أو قتلت الشيعة العروبيين، أو حزب الصدريين الشيعة يدخل في مواجهة وقتال مع حزب الدعوة الشيعي المستتر بشرعية الدولة... إلخ، ويبقى التطرف الديني سنياً كان أو شيعيا سلاحا بلا مقبض وذا حدين من أي طرف تمسكه يقطعك، وما زالت بعض الدول تعيش فكرة السادومازوخية لإرهاق الخصم رغم أن يدها تنزف أيضاً، أما الدول العظمى فما زالت تبيع السلاح وتعقد الصفقات، وتعطي الوعود المجانية لهذا وذاك، وما يوجع كل العقلاء العرب أن الدم دمهم سنياً كان أو شيعياً. مصر هي مفتاح السلام الحقيقي للعرب وليست تركيا فقط، وعلى مصر أن تكون بحجم المسؤولية التاريخية كيلا تعيد إنتاج المأساة في صناديق انتخاب الحزب الوطني البائد التي تجاوزها الزمن، أو عنجهية الإخوان المسلمين التي تكبرت على الاستفتاء الشعبي المقترح كحل وسط يجنب الوطن حرباً أهلية لم يرتكبها الجيش المصري في 25 يناير من أجل عيون مبارك، فكيف يرتكبها في 30 يونيو من أجل عيون مرسي؟!، أما لغة ما بعد الربيع العربي فبعض الدول لم تفك حروفها كما يجب حتى هذه اللحظة، ما زالت في مرحلة الهجاء، فما كان يتداوله رجال الاستخبارات في الوطن العربي كأسرار دولة، أصبح يتداوله المراهقون على صفحات الإنترنت، ولهذا ارتداده على الوعي العام، هذا الوعي الذي فاجأ بن علي في تونس رغم أجهزته الأمنية، مما جعل المراقبين يستكثرون على الشعوب طبيعتها الثائرة إن تغافل المستبدون عن استحقاقاتها، لينسبوها من جديد إلى أجهزة مخابرات معادية، أو دول عظمى تريد الفوضى الخلاقة، متناسين أن الفوضى لا يمكن خلقها ما لم يكن هناك انتهاك للعدالة والحرية والكرامة، فحتى أميركا نفسها لم تستطع منع نفسها من الانزلاق نحو صراع الشرطة مع الملونين، الفرق أن أزمات أميركا كالجروح السطحية تعالجها الشفافية وسلطة القانون، أما أزمة العرب الطائفية فقد تحولت إلى وباء يوزعه المجذومون من على المنابر ليتحسس كل عربي من جاره، وتبقى إيران دولة وجدت أميركا وأوروبا محلاً للحوار معها وهي تصفهم بالشيطان والاستكبار، وتاريخها الأسود معهم اغتيالات ورهائن، فهل نعجز أن نجد محلاً للحوار، لنقبل إيران كدولة كما قبلتها جارتاها باكستان وتركيا، وكما قبلتها بعض دول الخليج سراً وعلناً، بعيداً عن لعبة الإخوان المسلمين الذين يريدون أثافي المفاوضات وفق هواهم لتتكئ على الثلاثي (إيران تركيا السعودية) كما صرح بذلك إبراهيم منير نائب المرشد العام للإخوان المسلمين (إن أزمتي اليمن وسورية لا تحلّ سوى بجلوس تركيا ـــ يقصد تركيا حزب العدالة ــ والسعودية وإيران على طاولة المفاوضات)، وكل هذا الحشر (لتركيا إردوغان) في القضايا العربية كي يجدوا لهم منفذا جديداً في اللعبة السياسية، لأن (تركيا إردوغان) كانت ستكون المتحدث بمصالح الإخوان المسلمين في المنطقة العربية كمنافع متبادلة بين (تركيا حزب العدالة) والإخوان، وستكون إيران حليفة المستقبل الأيديولوجي كما يرى ذلك راشد الغنوشي في ما ينسب له في كتاب (الحركة الإسلامية والتحديث) ص 17: (الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الإسلام الشامل مستهدفاً إقامة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس ذلك التصور الشامل وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعات الإسلامية في باكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران)، بينما العقلاء يدركون أن معادلة المفاوضات يجب أن تتكئ على دولتين عربيتين بدلا من دولة واحدة ليكون الثلاثي (مصر والسعودية وإيران). وعليه فإن أي تفاوض مع إيران يجب أن يكون وفق معطيات الدولة القومية الحديثة وتقاليدها، (علماً بأن حزب الدعوة في العراق مثلا يوصف بأنه النسخة الشيعية لحركة الإخوان)، والأجندة الإخوانية تريد تحويل الإسلام إلى فاشية عالمية باسم الحاكمية، ليرموا الأمة العربية والإسلامية بدائهم من إندونيسيا حتى موريتانيا ثم ينسلوا يتبرؤون من نتائجها، ولهذا فالضمان الحقيقي للدول المركزية في المنطقة يجب أن تكون أحد أضلاعه مصر مع تركيا، أما طبول الحرب بين الدول المحورية في المنطقة فلا يقرعها إلا من كان جاهلاً بحكمة قس بن ساعدة الإيادي: (إذا رأيت حرباً جبانها يجرؤ، وشجاعها يجبن، وخسيس المحتد يتحكم فيها بكريم المحتد، ففر منها إلى رابية وترقب الأحداث ترَ أن في الأمر خيانة)، ولهذا لا تصدقوا كل من يصفق لأي تصعيد بين إيران والسعودية، إن كثيراً من المصفقين كانوا يتمنون خاتمة القدح المعلى (لتركيا إردوغان) على حساب أوطانهم وعروبتهم، حمى الله الوطن من حب الغوغاء الأغبياء، وتلاعب الراسبوتيين بهم (نسبة إلى جريجوري راسبوتين)، فالشعوب معلقة بذمم العقلاء ازدهارا ورخاء وسلاما، فالمال يشتري السلاح لكنه لا يرد الأرواح.
مشاركة :