الشارقة مدينة إنتاج ثقافي معرفي تنويري على مدار العام، ويتصل هذا الإنتاج الحضاري المدني بالأساس الفكري الذي يقوم عليه مشروع الشارقة الثقافي منذ أكثر من ثلاثة عقود. نجد أنفسنا وذواتنا وامتلاءنا الأدبي والجمالي في كل مرة نكتب فيها عن الجوهر الثقافي العربي العالمي للشارقة، ونجد حقيقتنا الخلاقة أيضاً في إطار مشروعها الثقافي الذي لن نعطيه حقه الكامل مهما كتبنا عنه، فهو مشروع من الإنسان وإلى الإنسان.. من إمارة ثقافة وآداب وفنون إلى العالم كله.. من فكرة إلى كينونة معرفية عالمية، ومن معنى نبيل إلى سلوك، وأخلاق ومفاهيم إنسانية معاصرة. التصوير الفوتوغرافي فن بصري رفيع، والصورة الفوتوغرافية تسجيل وثائقي وجمالي تتحول على يد مصور مثقف إلى لوحة خالدة في تاريخ الفنون. مؤسسة الشارقة للفنون معنية بالتصوير الفوتوغرافي لمستوى الهواية والاحتراف، والمؤسسة خصصت معرضاً سنوياً متخصصاً، هو مرة ثانية، أحد ملامح المنتج الثقافي في الشارقة التي تستقطب السبت المقبل 80 مصوراً فوتوغرافياً من الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي ، كل واحد منهم يحمل رؤية بصرية ثقافية خاصة به، والأهم من ذلك أن معرض (الشارقة - وجهة نظر 4) وامتداداً للمعارض الفوتوغرافية السابقة التي حملت محتوى فكرياً جمالياً فنياً من شأنه ومن دورة إلى أخرى إيجاد ثقافة بصرية فنية تلتقي فكرياً مع محتوى المشهد التشكيلي العام في الإمارات والذي عززه بينالي الشارقة برؤاه الفنية العالمية المتقدمة. تمتلئ الإمارات بالصور ذات المحمول الجمالي اللافت بدءاً من بيئة البحر إلى بيئة الصحراء إلى بيئة الجبل، وفي الإمارات معماريات وآثاريات وطبيعة غنية بالنبض والحياة، إلى جانب الحيوية الناطقة بالجمال في المعمار الحديث، والأسواق، وحركة الناس. هذا التسلسل من الصور لم تلتقطه عين الكاميرا الفوتوغرافية فقط، بل التقطته أيضاً ريشة الرسام قبل ذلك، وبنى الكثير من الشعراء والروائيين متونهم الأدبية على روح هذه الصور، والكثير من النصوص القصصية وخاصة في أوائل ثمانينات القرن الماضي استعارت جمالياتها الفنية من ثقافة البحر والغوص وحضور رموز بيئية مثل النخلة (الشجرة الأم) التي تشكل جذراً ثقافياً مهماً جداً في الوجدان الإماراتي. الصورة في الإمارات ذاكرة، واستعادة للماضي بطعم الحنين، والصورة في الإمارات لغة حديثة معاصرة، والصورة كما يقال دائماً (نص بصري) يعرف الفوتوغرافي كيف يوازيه بالنص الأدبي. نعرف العبارة المتداولة (صورة واحدة توازي ألف كلمة)، وربما كان ذلك صحيحاً في مفاهيم الإعلام المهنية، أما في لغة الفن، فإن الصورة الواحدة تعادل آلاف الكلمات عندما تتحول إلى أدب ومعرفة وفكر إنساني عظيم. لغة الصورة الفوتوغرافية لغة كونية أيضاً تماماً مثل لغة المسرح الإيمائية، ومثل لغة الموسيقى التي تتعايش في رحابها، الشعوب. يوسف أبولوز yosflooz@gmail.com
مشاركة :