الروس من فلاديمير لينين إلى فلاديمير بوتين

  • 7/26/2016
  • 00:00
  • 105
  • 0
  • 0
news-picture

كعادة تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أثارت الصفقة التي أعلنها في مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو» الأميركية لحل الأزمة السورية ردود فعل بين متحمس وممتعض، وبين متفائل ومترقب. العرض قدمته الرياض لموسكو موجزًا في عبارة واحدة؛ «لكم حصة من الشرق الأوسط مقابل التخلي عن بشار الأسد». تصريح خطير، ومع أني على يقين بأن روسيا سبق أن تلقت عروضًا مشابهة خلال الأعوام الخمسة الماضية للغاية نفسها، إلا أن الاختلاف هذه المرة هو إعلان الصفقة أمام الجميع بصوت مرتفع؛ هذه بتلك. الزمرة الغاضبة من تصريح الجبير تمثلت في إعلام بوتين الذي أحرج من صراحة الوزير، ومع أن بوتين نفسه قد أثار فضوله حديث الصفقة، إلا أن منصته الإعلامية تحاول أن تجعل الموقف لا يبدو وكأن بوتين يبيع أصدقاءه. هنا علينا أن نذكّرهم بأن وزير الخارجية الروسي أعلن غير مرة أن روسيا ليست متمسكة بشخص الأسد بل بالدولة السورية، وقد قيل إنه ذكر في إحدى جلساته أن روسيا «ليست متزوجة من الأسد». لذلك ربما نقرأ موقف الوزير الجبير كرد على ما صرح به لافروف لوكالة الإعلام الروسي قبل شهرين بأن الأسد ليس حليفًا لروسيا ولكنها تدعمه ضد الإرهاب. أي أن لا ارتباط بشخص الأسد أو نظامه كحليف، ومن ثم فكرة خيانة الصديق غير مطروحة، هذا يعني أن التسويات بغرض إزاحته ممكنة والمكاشفات باتت متاحة. من أبرز من عبس وتجهم من الوزير الجبير، الإعلام الإيراني وإعلام «حزب الله»، ولكن سبب غضبتهم لم تكن فكرة التخلي عن الأسد، بل ما هو أخطر من ذلك في نظرهم، وهو كيف للسعودية أن تكون قادرة على تقديم وعود بحصص من الشرق الأوسط لأحد؟ أي الخوف من مبدأ الصفقة قبل الدخول في تفاصيلها. وعلى الرغم مما يفهم من حديث الوزير السعودي حول الصفقة وتحديد موضوع النفط والتبادل التجاري في العرض المقدم، فإن الإيرانيين لم يصدقوا أن القصة تتمحور حول النفط، وحتى وإن كانت كذلك فهذا يعني أن الحصة الروسية تأتي على حساب حصتها في آخر المطاف، إضافة إلى أن إيران وميليشياتها على يقين بأن الروس لهم مصالحهم التي لا تزال مرتبطة بشخص الأسد، وهو أمر متغير لا يمكن الركون إليه. لا شك أن التدخل العسكري الروسي، أنقذ وجود الأسد في اللحظات الأخيرة وكان قد أوشك على السقوط، ولا شك أن يد بوتين هي الوحيدة التي يستطيع بشار الأسد الاتكاء عليها، ليست إيران ولا ميليشياتها. فكيف يمكن قراءة موقف الروس اليوم وهل اختلف عن الموقف قبل عام أو ثلاثة؟ لم تفلح كل العروض السابقة مع روسيا للانسحاب من سوريا، فلماذا قد تعيد النظر مع العرض السعودي الجديد؟ هناك أكثر من دافع أو محفز قد يثير فضول الروس لإعادة النظر في موقفهم؛ أولاً أن الدعاية نحو النزعة القومية التي أثارها بوتين خلال السنوات الماضية حول قوة روسيا الجديدة وما يمكن أن تفعله في العالم، لا بد وأن تستقر على أرض صلبة، فالدعاية مرحلة انتقالية وليست حالة ثابتة. وهنا يمنيهم عادل الجبير، إن هم تجاوبوا، بعودة أمجاد ماضيهم حينما كان الاتحاد قائمًا، وكيف كانت لهم هيمنة عسكرية وآيديولوجية في مناطق مهمة في الشرق الأوسط، منها العراق واليمن الجنوبي وسوريا ومصر والجزائر وغيرها، كجزء من حربها الباردة مع القطب الغربي المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945 وحتى سقوط الاتحاد السوفياتي في 1991. ربما الخليج فقط الذي لم يكن للاتحاد السوفياتي تأثير يذكر فيه بسبب السعودية التي وقفت ضد التمدد الآيديولوجي للشيوعية ومذاهبها، فانسحبوا مهزومين من أفغانستان التي اتخذوها بوابة عبور تجاه منطقة الخليج العربي، وكان قد تخلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعد توليه الرئاسة عن عشرات الآلاف من الخبراء السوفيات وآثر عليهم الغربيين. كان خروج السوفيات من الشرق الأوسط مذلاً ومهينًا، ولم تنتفض روسيا لنفسها إلا بتولي فلاديمير بوتين السلطة بداية القرن الحالي، الذي قال إن انهيار الاتحاد السوفياتي كان أكبر كارثة جيو استراتيجية في القرن العشرين، وعزمه على إعادة هيبة الدولة الروسية ورفض قيادة القطب الواحد الأميركي. تمسك روسيا بالأسد ليس بسبب العلاقة التاريخية بين البلدين والعلاقة مع الأسد الأب وقيمة الأطلال القديمة كما يقال، بل من أجل استخدامه سلمًا كهربائيًا يسهل الصعود من خلاله بلا مشقة، وتحقيق حلم بوتين القومي بأن يكون لروسيا مصالحها في كل العالم، وأن يكون اسمها على رأس أجندة الملفات الدولية. هذا الدافع الآخر الذي قد يجعل الروس يعيدون التفكير في موقفهم من الأسد، فسوريا ستنتهي إن استمرت الحرب المستعرة طويلاً، ستفنى، ستصبح أرضًا بلا هوية، ستتآكل وتنتشر خلالها الفوضى إلى مساحات أوسع، ستنتفي قيمتها كدولة يمكن إنقاذها وإعادتها للحياة. أيضًا للروس مصالحهم الاقتصادية، وأهمية استمرار إمدادات النفط السعودي بأسعار مقبولة. وجودها العسكري ممكن المفاهمة حوله خاصة في منطقة البحر المتوسط الاستراتيجية، نشاطها الاقتصادي كذلك مرحب به. الصفقة السعودية للروس قد تختصر زمنًا وجهدًا طويلاً من بوتين لتلمس طريقه في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا أنه رغم أهميتها فإنها منطقة زلقة، ليس من السهل الثبات عليها دون دعائم توفرها قوى المنطقة نفسها، أهمها السعودية مع الخليج، وإسرائيل. إن اتفق الجانب السعودي والروسي على تسوية، سيكون فلاديمير بوتين قد رسم مستقبلاً جديدًا لروسيا، كما رسم أستاذه فلاديمير لينين الاتحاد السوفياتي قبل تسعين عامًا، سيؤسس لها موطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط بترحيب من أهلها، شريكًا اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا.

مشاركة :