اختتمت القمة العربية أعمالها مساء أمس بإصدار إعلان نواكشوط، وأعلن الرئيس الموريتاني في ختام الاجتماعات تعهده الشخصي بمتابعة تنفيذ القرارات بما يسمح باستعادة الدور العربي. وأكدت قرارات القمة على رفض التدخلات الإقليمية في الشأن العربي، خاصة التدخل الإيراني، والتوغل التركي في شمال العراق، والتأكيد مجددا على استمرار دعم الشرعية الدستورية في اليمن بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وعلى أن أي مشاورات أو مفاوضات لخروج اليمن من الأزمة لا بد أن تنطلق من المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خاصة «قرار 2216» وفق جدول زمني محدد، وكذا التأكيد على استئناف العملية السياسية من حيث توقفت قبل الانقلاب عند مناقشة مسودة الدستور، والاستفتاء عليه وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإدانة ما يقوم به وفد الميليشيات الانقلابية في مفاوضات الكويت من التفاف على ما تم الاتفاق عليه، وتعمده المماطلة والتلاعب حينا والتعنت حينا آخر. وفي البند الخاص بـ«التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية» أكد القادة العرب على أن تكون علاقات التعاون بين الدول العربية وإيران قائمة على مبدأ حسن الجوار، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، وإدانة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، واستنكروا تصريحات المسؤولين الإيرانيين التحريضية والعدائية المستمرة ضد الدول العربية، ومطالبة إيران بالكف عن التصريحات العدائية، ووقف الحملات الإعلامية ضد الدول العربية، باعتبارها تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لهذه الدول. ودعا القرار إيران إلى الكف عن السياسيات التي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجج النزاعات في دول الخليج العربي. وبالنسبة للبند الخاص باحتلال إيران للجزر العربية الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى»، التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة أكد القرار على سيادة دولة الإمارات الكاملة على جزرها الثلاث، وعلى الإجراءات والوسائل السلمية كافة التي تتخذها دولة الإمارات لاستعادة سيادتها على جزرها المحتلة، واستنكر استمرار الحكومة الإيرانية في تكريس احتلالها للجزر الثلاث، وانتهاك سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة بما يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، ويؤدي إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين. وفي هذا السياق، أدان القرار قيام الحكومة الإيرانية ببناء منشآت سكانية لتوطين الإيرانيين في الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، وكذلك إدانة المناورات العسكرية الإيرانية التي تشمل جزر الإمارات الثلاث المحتلة، وطالب إيران بالكف عن مثل هذه الانتهاكات والأعمال الاستفزازية التي تعد تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة، ولا تساعد على بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي الشأن السوري، رحب القادة العرب بالجهود المبذولة دوليا لتهيئة الظروف الملائمة لاستئناف عملية المفاوضات بين المعارضة والحكومة السورية الهادفة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحية تنفيذية كاملة، وفقا لما جاء في مؤتمر «جنيف- 1» في 30 يونيو (حزيران) 2012. وطلب من الأمين العام للجامعة العربية بمواصلة مشاوراته واتصالاته مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص ستيفان دي مستورا، ومختلف الأطراف المعنية من أجل تكثيف الجهود المبذولة لتهيئة الأجواء الملائمة لاستئناف جولات مفاوضات جنيف الهادفة إلى إقرار خطوات الحل السياسي الانتقالي للأزمة السورية. وبالنسبة لليبيا، رحب القرار ببدء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني مباشرة أعماله من العاصمة طرابلس، مجددا الدعوة للدول الأعضاء إلى تقديم الدعم السياسي والمعنوي والمادي لحكومة الوفاق الوطني الليبي بوصفها الحكومة الشرعية الوحيدة لليبيا، والامتناع عن التواصل مع أجسام تنفيذية أخرى موازية لها. وبالنسبة لملف الإرهاب، أكد مشروع القرار على ضرورة مواجهة الإرهاب بشكل حاسم، وتقديم الدعم للجيش الليبي في مواجهة التنظيمات الإرهابية كافة بشكل حاسم، بما فيها تنظيم داعش الإرهابي، وتنظيم «القاعدة» وأنصار الشريعة، وغيرها من التنظيمات المصنفة من قبل الأمم المتحدة كمنظمات إرهابية. وبالنسبة للصومال، أكد مشروع القرار تقديم الدعم العاجل للحكومة الصومالية لإعادة بناء وتأهيل المؤسسات الأمنية والعسكرية، ودعوة مجلس الأمن لرفع الحظر عن توريد السلاح إلى الحكومة الصومالية كي يتسنى للجيش الوطني القيام بواجبه على أكمل وجه، وكذلك الإعفاء من الديون المترتبة على جمهورية الصومال ليُمكنها من الحصول على الدعم اللازم من المؤسسات والهيئات الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي. وفي البند الخاص بالتدخل التركي في العراق تحت عنوان «اتخاذ موقف عربي إزاء انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية» أكد القرار على دعوة الدول الأعضاء في الجامعة تركيا بـ«سحب قواتها من الأراضي العراقية» تنفيذا لقرار مجلس الجامعة الصادر 24 ديسمبر (كانون الأول) 2015 برقم 7987. وكذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، والكف عن هذه الأعمال الاستفزازية التي من شأنها تقويض بناء الثقة وتهديد أمن واستقرار المنطقة. وفي الشأن الفلسطيني، تحدث القرار عن بنود لدعم الملف الفلسطيني، ودعم الجهود الدولية والعربية الهادفة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة المبادرة الفرنسية، التي تم في إطارها عقد اجتماع وزاري دولي في باريس، وصدر عنه بيان مشترك أكد على إنهاء كامل الاحتلال الإسرائيلي، وحل جميع قضايا الوضع الدائم على أساس قرارات مجلس الأمن، وخاصة قراري 242 (1967) و338 (1973)، وأهمية تنفيذ مبادرة السلام العربية. كما دعا القرار أعضاء اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، إلى مراجعة موقفها، وإعادة النظر في تقريرها الصادر في الأول من يوليو (تموز) 2016، الذي يتناقض مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وينحاز في كثير من مضامينه إلى الرواية والمواقف الإسرائيلية، ويساوي بين سلطة الاحتلال والشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، ودعوة اللجنة الرباعية إلى الالتزام بمرجعيات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، والعمل على أساسها لحل الصراع بدلاً من إدارته، ودعم عقد مؤتمر دولي للسلام وفق المبادرة الفرنسية، بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ضمن إطار زمني محدد وآلية دولية متعددة الأطراف لمواكبة إنجاز ذلك. وفي ختام القمة صدرت وثيقة إعلان نواكشوط، التي تضمنت رفض القادة العرب للتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية العربية، وبخاصة التدخلات الإيرانية لأنها «تهدد الأمن القومي العربي». وأكد الإعلان الذي تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، التزام القادة العرب «بانتهاج أنجع السبل العملية من أجل التصدي لكل التهديدات والمخاطر التي تواجه الأمن القومي العربي»، مشيرًا إلى أن ذلك سيتم عبر «تطوير آليات مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن والسلم العربيين بنشر قيم السلام والوسطية والحوار، ونبذ ثقافة التطرف والغلو وبث الفتنة وإثارة الكراهية». وعبر القادة العرب عن إيمانهم الراسخ «بضرورة توثيق أواصر الأخوة وتماسك الصف العربي انطلاقا من وحدة الهدف والمصير، وتطوير العلاقات البينية وتجاوز الخلافات القائمة، والتأسيس لعمل عربي بناء يراعي متغيرات المرحلة وتطلعات الشعب العربي، وينطلق من الالتزام بمعالجة الأزمات العربية بالطرق الودية». ودعا الإعلان، الذي تضمن 13 بندًا، إلى تسوية الخلافات المرحلية بين البلدان العربية «سدا لذريعة التدخل الأجنبي والمساس بالشؤون الداخلية لبلداننا العربية». واقتصرت القمة على إلقاء كلمات رؤساء الوفود، ثم انعقاد لقاءات ثنائية منفردة بين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز حول قرارات القمة التي حظيت بالتوافق، كما كان هناك لقاء جمع أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد بالرئيس الموريتاني. وفي ختام أعمال القمة، التي انتهت خلال ساعات من افتتاحها، أعلن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط انتهاء أعمال القمة، وتلاه إعلان نواكشوط، وأعقب ذلك إعلان الرئيس اليمني عن استضافة اليمن للقمة المقبلة، رغم الظروف التي يمر بها حاليا. من جانبه، قال رئيس الوزراء المصري إسماعيل شريف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يوجد أي خلافات بين مصر وموريتانيا، وأضاف أنه سلم رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس الموريتاني تتعلق بأهمية تفعيل التعاون العربي المشترك وقرارات القمة، وأشاد بما انتهت إليه القمة العربية، مؤكدا أن الجميع مهتم بتطوير أداء الجامعة العربية والتعاون المستمر، موضحا أنه وجه للرئيس الموريتاني دعوة لزيارة مصر. واختتم الرئيس الموريتاني أعمال المؤتمر بكلمة، بعد الإشارة إلى رسائل وصلت إلى القمة من رؤساء الصين وروسيا، وأشاد بالأفكار البناءة والجوهرية التي طرحت خلال اجتماعات القمة، مؤكدا قدرة العرب على استعادة الأمن والاستقرار، وتعهد أن تقوم موريتانيا خلال فترة رئاستها، بمتابعة التنفيذ والنهوض بدور الجامعة وتطويرها، والاهتمام بقضايا الدول العربية كلها.
مشاركة :