الهدوء المصطنع لا يقي من العاصفة المرجحة

  • 7/27/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي تتجه التطورات الاقتصادية والسياسية في العالم نحو تراكم ظروف الانفلات التي كانت فيما مضى توصف بأنها محتملة، كانت ردة فعل أسواق المال حيال تأثير تلك التطورات تستند إلى كونها آنية ويمكن تجاوزها. ومثل هذا التفاعل قد يكون مبرراً على المدى القصير. أما على المدى البعيد فلا بد أن يسفر عن ديناميكيات أشد تعقيداً تدفع المستثمرين نحو توفيق أوضاعهم حسب مقتضياتها. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تسبب الاستفتاء البريطاني وتحليق الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية وتقلبات أسواق السندات في تفاقم الوضع المتردي في النظام المالي العالمي الذي سجل فيه العائد على السندات الحكومية تراجعاً غير مسبوق، حتى إن نسبة 30% منها يتم تداوله في النطاق السلبي. وتزداد الصورة بؤساً عندما يضاف إليها وضع البنوك الإيطالية الذي ينذر بكارثة وشيكة، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والصور المأساوية التي تخلفها الهجمات الإرهابية هنا وهناك. وكل هذه القضايا تصب في صالح الدفع باتجاه ظروف الانفلات التي تترافق مع الانتقال السريع إلى بيئة ذات شروط مغايرة كلياً، بدلاً من الانتقال السلس والمنضبط الذي يولد النمو الطبيعي. وقد تتسبب في تغيير جذري في العلاقات المالية والاقتصادية الأزلية، وفي طرق تعامل المؤسسات الاقتصادية فيما بينها، وتغذية العداوات السياسية، وفي حال ترافقت مع تقييمات استثنائية لأصناف الأصول، فإنها تلحق الضرر ببعض المؤسسات والركائز الأساسية للنظام الرأسمالي. وليست الظاهرة على صلة بالماضي أو الحاضر، وإنما هناك مؤشرات على تراكم ظروف الانفلات في المستقبل. فالاستفتاء الإيطالي المقرر في أكتوبر/تشرين الأول المقبل قد يعمق شروخ بنيان الاتحاد السياسي الأوروبي الذي يعاني أساسا أزمة مالية ، وخروج بريطانيا وتبعات أزمة اللاجئين. أما الولايات المتحدة فتغوص هي الأخرى في مشاكلها التي ترسم ملامح الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني. وفي الصين تضاف إلى المشاكل التي يواجهها زعماء البلاد مشكلة تآكل الطبقة الوسطى التي تعرضت مصالحها للضرر نتيجة الفقاعة المالية المحلية وما يعتري الاقتصاد العالمي من علل. وفي الوقت ذاته تتصاعد موجات القلق عالمياً حول فاعلية السياسات النقدية في عالم بات يفرط في الاعتماد على البنوك المركزية مع احتمال إيغال ثلاثة منها ، هي البنك المركزي الأوروبي ونظيره الياباني وبنك الشعب الصيني ، في مزيد من التراخي وصولا إلى آفاق تجريبية لتلك السياسات لا أحد يدرك تبعاتها. إلا أن كل مقاييس الثقة في الأسواق تقول إنها لا تزال تحتفظ بهدوئها خاصة مؤشر فيكس أو مؤشر المخاوف الذي يقيس درجة قلق المستثمرين أيام الأزمات. وكلما ارتفع مرة عاد واستقر بسرعة. وأبرز ملامحه حتى الآن تشير إلى أن التذبذب، حتى في أسوأ حالاته، يبقى دون المستويات الخارجة عن السيطرة. وهناك مبررات وجيهة وراء ذلك.. فعمليات ضخ السيولة، سواء الفعلي منها أو المرتقب، تبقى مؤشراً على تدخل البنوك المركزية لتحفيز الاقتصاد، في الوقت الذي تضخ عمليات إعادة شراء الشركات لأسهمها وصفقات الإندماج والاستحواذ، مزيداً من النقد في الأسواق. ويراهن المستثمرون على تجربة الشراء الخاطف عندما تهوي الأسعار التي عادت عليهم بالأرباح على مدى سنوات، خاصة في أسواق الأسهم التي بلغت مستويات من الارتفاع غير مسبوقة. ولم يغير كثير من المستثمرين سياساتهم بما يعكس حقيقة تضخم الأسعار وتذبذب تقييمات الأصول بالعودة إلى الأصول الاستراتيجية، خاصة مع عدم تغيير الأهداف الرئيسية للاستثمارات. وتستمر الأسهم في التحليق جاذبة نسبة كبيرة من مخصصات مديري صناديق الاستثمار الذين ضاقت خياراتهم وتقلص كم النقد الذي كان متاحاً للصناديق التقليدية. وبات مفهوماً جنوح الأسواق في ظل هذه المعطيات للتعامل مع واقع التدفقات النقدية الحالي بغض النظر عما يترتب على اتساع الفجوة بين سلوك المستثمرين وتعدد أشكال الاضطراب الاقتصادي والسياسي على المسرح العالمي. وهنا تتراكم مفاعيل المخاطر المستقبلية على الاستقرار المالي، كما تتراكم مبررات ظروف الانفلات في مختلف مكونات السوق.

مشاركة :