أنسي الحاج.. شاعر الأيام الآتية

  • 7/29/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أحمد فرحات (بيروت) ولمّا مرت ذكرى ميلاد الشاعر الراحل أنسي الحاج الـ 79 (ولد في 27 يوليو 1937)، زيّن محرك البحث الأشهر «جوجل» شعاره برسمة للشاعر «الأنقى»، مانحاً إياه حضوراً مغايراً، وهو الذي لم يتوقف عن الحضور حياً وميتاً، علي العكس من سطره الشعري الخالد «كلما أحببتهم سقطوا من القطار»، إذ أن أنسي الحاج يبقي عصياً على السقوط من ذاكرة محبيه، ذاكرة القصيدة، وذاكرة المستقبل الشعري الآتي. منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي وأنا على تماهٍ كليّ بشعرية أنسي الحاج (1937 – 2014)، والتي لا أراها متجسِّدة في دواوينه الشعرية فقط، وإنما في مختلف أحاديثه ومحاوراته، وحتى في الأغلب الأعم من النصوص التي دوّنها الشاعر الكبير، بما فيها تلك التي حملت عناوين محض فكرية وسياسية واجتماعية ونقدية وثقافية عامة، ممن عرفناها في غير وسيلة إعلامية احتلّ فيها أنسي موقع رئيس التحرير، أو الموجّه المهني المركزي العام، وواضع العناوين أو المانشيتات... إلخ، فضلاً عن مرجعيته كقوة مفجّرة للأفكار الصحافية الجاذبة على اختلافها، والمستفزّ الدؤوب لترجمتها. فهو ينظر إلى كل شيء من حوله بعيون شعرية، وبخصوبة انهمار تلكم الرؤى الشعرية لديه في أكبر عملية طوباوية ثورية فردية قاطعة عرفت كيف تتلبّث القوة المطلقة والسحرية للكلمات. أنسي الحاج هو البوابة الحقيقية للشعر العربي الحديث. يؤكد ذلك نسق لغته الشعرية الجديدة المغايرة والمفارقة للغة أقرانه من شعراء الحداثة العرب. ففي حين ظلّ زملاؤه يقدمون لغة شعرية مخضرمة، تتناوبها صراعات القديم مع الجديد على مستوى، حتى اللفظة الواحدة، ومن ثمَّ البنية العامة للقصيدة، جاء هو باللغة الحيية الضاربة، العارية، القاطعة والمفجرة للخيال والحدس، وهما يتلاقيان غالباً عنده. سريالي عربي مستقل بوجيز العبارة، كان الشاعر أنسي الحاج يطرح نفسه بصورة إجراء منفصل عن مشهد الشعراء الآخرين. لم يكن يتوخى إلا فتح الحدود لغير المقول، أو المقول، ولكن بصيغ جديدة تفرضها متواليات الحياة نفسها، كما يفرضها، وبالتأكيد، حجر كيمياء الشعر فيه، حين يتصل بالأشياء من حواليه، فيبدّل جواهرها، ويمازجها على أشكالها، ويلج إلى خلاياها السرية. كان أنسي وحتى آخر يوم من حياته، رهان تجربته الشعرية الخصوصية، بل والمسرفة في خصوصيتها. ... المزيد

مشاركة :