محمد بن مسلمة.. رجل المهمات الصعبة

  • 7/31/2016
  • 00:00
  • 51
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حماد وهو الَّذِي‮ ‬كَفَّ‮ ‬أَيْدِيَهُمْ‮ ‬عَنْكُمْ‮ ‬وَأَيْدِيَكُمْ‮ ‬عَنْهُمْ‮‬بِبَطْنِ‮ ‬مَكَّةَ‮ ‬مِنْ‮ ‬بَعْدِ‮ ‬أَنْ‮ ‬ أَظْفَرَكُمْ‮ ‬عَلَيْهِمْ‮ ‬وَكَانَ‮ ‬اللهُ‮ ‬بِمَا تَعْمَلُونَ‮ ‬بَصِيراً، (‬الفتح‮:‬ 24). قبيل توقيع صلح الحديبية بين المسلمين ومشركي‮ ‬مكة في‮ ‬العام السادس للهجرة،‮ ‬كانت قريش قد بدأت تفكر جدياً‮ ‬في‮ ‬الصلح،‮ ‬فأرادت مجموعة من شباب قريش أن‮ ‬يقطعوا كل طريق للصلح،‮ ‬وعملوا على فرض القتال على المسلمين وعلى القرشيين،‮ ‬فتسللت هذه المجموعة وهم حوالي‮ ‬خمسين من المشركين،‮ ‬إلى معسكر المسلمين ليلاً،‮ ‬وكان محمد بن مسلمة رضي‮ ‬الله عنه على رأس مجموعة من المجاهدين في‮ ‬انتظارهم،‮ ‬فاعتقلهم،‮ ‬وساق الصيد الثمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمكن الله منهم،‮ ‬فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقهم تأكيداً‮ ‬على نيته في‮ ‬الصلح،‮ ‬ونزل في‮ ‬ذلك قوله تعالى‮: ‬وَهُوَ‮ ‬الَّذِي‮ ‬كَفَّ‮ ‬أَيْدِيَهُمْ‮ ‬عَنْكُمْ‮ ‬وَأَيْدِيَكُمْ‮‬عَنْهُمْ‮ ‬بِبَطْنِ‮ ‬مَكَّةَ‮ ‬مِنْ‮ ‬بَعْدِ‮ ‬أَنْ‮ ‬أَظْفَرَكُمْ‮ ‬عَلَيْهِمْ‮ ‬وَكَانَ‮ ‬اللهُ‮ ‬بِمَا تَعْمَلُونَ‮ ‬بَصِيراً ، (‬الفتح‮:‬ 24). محمد بن مسلمة بن سلمة هو رجل المهام الصعبة،‮ ‬وقائد سرايا العمليات الخاصة في‮ ‬عهد النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وهو المفتش العام في‮ ‬عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه‮ ‬وهو من اعتزل الفتنة الكبرى،‮ ‬وكسر سيفه على صخرة،‮ ‬وبقي‮ ‬في‮ ‬بيته حتى وافته منيته،‮ ‬وخلف وراءه من الولد عشرة نفر،‮ ‬وست نسوة‮.‬ ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة،‮ ‬وكان ممن سمي‮ ‬في‮ ‬الجاهلية محمداً،‮ ‬أسلم بالمدينة على‮ ‬يد مصعب بن عمير،‮ رضي الله عنه، ‬وآخى النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي‮ ‬عبيدة بن الجراح رضي الله عنه،‮ ‬وشهد بدراً،‮ ‬وأحداً،‮ ‬وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يومئذٍ‮ ‬حين ولى‮ ‬الناس،‮ ‬وشهد المشاهد كلها،‮ ‬عدا‮ ‬غزوة تبوك التي‮ ‬استخلفه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة‮.‬ في مقدمة الصفوف لن تفقده عند كل مهمة صعبة،‮ ‬دائماً في‮ ‬مقدمة الصفوف المقاتلة في‮ ‬سبيل الله والدفاع عن المسلمين،‮ ‬فكان هو قائد حرس معسكر المسلمين على مقربة من مكة،‮ ‬ولما بيّت‮ ‬يهود بني‮ ‬النضير قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم،‮ ‬وهو بين‮ أ‬يديهم،‮ ‬قالوا‮: ‬فمن‮ ‬يعلو على هذا البيت فيلقي‮ ‬عليه صخرة ويريحنا منه؟ ‬فانتدب لذلك عمرو بن جحاش،‮ ‬فقال‮: ‬أنا لذلك،‮ ‬فصعد ليلقي‮ ‬عليه صخرة،‮ ‬والرسول صلى الله عليه وسلم في‮ ‬نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي‮ ‬رضي‮ ‬الله عنهم،‮ ‬فأتى الخبر من السماء بما أراد القوم،‮ ‬فقام النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم راجعاً‮ ‬إلى المدينة،‮ ‬وبعث محمداً بن مسلمة‮ ‬يأمر بني‮ ‬النضير بالخروج من جواره،‮ ‬،‮ ‬وقد أجّلهم عشرة أيام فمن وجده بعد ذلك ضرب عنقه،‮ ‬ثم حاصرهم زمناً‮ ‬حتى قذف الله في‮ ‬قلوبهم الرعب،‮ ‬وخرج اليهود من المدينة إلى خيبر،‮ ‬وعاد المسلمون من حصار بني‮ ‬النضير أكثر قوة،‮ ‬ومنعة‮.‬ بعد فشل الأحزاب،‮ ‬ورحيلهم عن حصار المدينة المنورة،‮ ‬رفع النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم شعار‮: (‬الْآنَ‮ ‬نَغْزُوهُمْ‮ ‬وَلَا‮ ‬يَغْزُوننَا‮)‬،‮ ‬فوجه السرايا الإسلامية لعقاب الذين شاركوا في‮ ‬حصار المسلمين،‮ ‬وكانت أولى هذه الحملات ‬سرية محمد بن مسلمة رضي‮ ‬الله عنه إلى منطقة تعرف بالقرطاء على بُعد أكثر من ثلاثمئة كم من المدينة المنورة،‮ ‬وكانت هذه السرية موجهة إلى بطن بني‮ ‬بكر بن كلاب، وكانت من قبائل نجد التي‮ ‬اشتركت في‮ ‬حصار المدينة في‮ ‬غزوة الأحزاب،‮ ‬وكانت السرية تضم ثلاثين فارساً، وقد‮ ‬ألقى الله عز وجل الرعب في‮ ‬قلوب بني‮ ‬بكر،‮ ‬ففروا وتفرقوا في‮ ‬الصحراء،‮ ‬وقتل منهم عشرة،‮ ‬وساق ابن مسلمة وسريته عدداً‮ ‬كبيراً‮ ‬من الإبل والشاء بلغ‮ ‬مئة وخمسين من الإبل،‮ ‬وثلاثة آلاف من الشاء،‮ ‬وزادت هيبة المسلمين،‮ ‬وارتفعت معنوياتهم‮.‬ ولم تكن هذه السرية أولى السرايا التي‮ ‬قادها محمد بن مسلمة،‮ ‬ولا كانت آخرها،‮ ‬فقد بعثه صلى الله عليه وسلم على رأس خمس عشرة سرية،‮ ‬وكان ابن مسلمة‮ ‬يفخر بذلك ويقول‮: ‬يا بني‮ ‬سلوني‮ ‬عن مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني‮ ‬لم أتخلف عنه في‮ ‬غزوة قط،‮ ‬إلا واحدة في‮ ‬تبوك خلّفني‮ ‬على المدينة،‮ ‬وسلوني‮ ‬عن سراياه صلى الله عليه وسلم فإنه ليس منها سرية تخفى علي،‮ ‬إما أن أكون فيها،‮ ‬أو أن أعلمها حين خرجت‮.‬ محاسبة الولاة وفي‮ ‬خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي‮ ‬الله عنه استعان بمحمد بن مسلمة في‮ ‬متابعة الولاة،‮ ‬ومحاسبتهم،‮ ‬والتأكد من الشكاوى التي‮ ‬تأتي‮ ‬ضدهم،‮ ‬فكان موقع محمد بن مسلمة كالمفتش العام في‮ ‬دولة الخلافة‮. ‬ ويُروى في‮ ‬ذلك كثير من الروايات منها أن عمر رضي‮ ‬الله عنه علم أن سعداً بن أبي‮ ‬وقاص وكان واليه على العراق،‮ ‬بنى قصراً‮ ‬له في‮ ‬الكوفة،‮ ‬وبلغ‮ ‬عمر أن سعداً قال‮ (‬وقد سمع أصوات الناس من الأسواق‮)‬: سكنوا عني‮ ‬الصويت‮ (‬النداء‮)‬،‮ ‬وجعل على القصر باباً،‮ ‬فبعث محمداً بن مسلمة إلى الكوفة،‮ ‬يقول الراوي‮: ‬وكان عمر إذا أحب أن‮ ‬يؤتى بالأمر كما‮ ‬يريد بعثه،‮ ‬وكانت مهمته محددة حسب أوامر أمير المؤمنين‮ ‬أن‮ ‬يحرق باب القصر ثم‮ ‬يرجع،‮ ‬فلما قدم أخرج زنده،‮ ‬وأورى ناره،‮ ‬وابتاع حطباً‮ ‬بدرهم،‮ ‬وقيل لسعد إن رجلاً‮ ‬فعل كذا،‮ ‬وكذا،‮ ‬ولما وصفوه له عرفه وقال‮: ‬ذاك محمد بن مسلمة،‮ ‬فخرج إليه،‮ ‬فقال محمد: إنه بلغ‮ ‬أمير المؤمنين عنك أنك قلت: انقطع الصويت،‮ ‬فحلف سعد بالله ما قال ذلك،‮ ‬فقال‮: ‬نؤدي‮ ‬عنك الذي‮ ‬تقوله ونفعل ما أمرنا به،‮ ‬فأحرق الباب،‮ ‬وأقبل سعد‮ ‬يعرض على ابن مسلمة أن‮ ‬يزوده،‮ ‬فأبى ثم ركب راحلته‮ ‬يريد المدينة،‮ ‬فوصلها،‮ ‬ولم تستغرق رحلته منها إلى الكوفة ذهاباً‮ ‬وإياباً‮ ‬غير تسعة عشر‮ ‬يوماً‮ ‬وليلة،‮ ‬قدم بعدها على عمر فقال‮: ‬لولا حسن الظن بك لرأينا أنك لم تؤد عنا،‮ (‬من قصر المدة وسرعة الأداء‮) ‬فقال محمد‮: ‬بلى قد فعلت،‮ ‬وهو أرسل‮ ‬يقرأ السلام،‮ ‬ويعتذر،‮ ‬ويحلف بالله ما قاله،‮ ‬فصدقه عمر‮.‬ ومن مهامه التي‮ ‬أرسله عمر إليها،‮ ‬محاسبة الولاة على ثرواتهم وأموالهم،‮ ‬ومن ذلك ما جرى مع عمرو بن العاص والي‮ ‬مصر رضي الله عنه،‮ ‬وكانت مهمة محمد بن مسلمة أن‮ ‬يقاسمه ماله،‮ ‬فأهدى إليه عمرو بن العاص هدية فردها،‮ ‬فغضب عمرو وقال‮: ‬يا محمد لم رددت هديتي‮ ‬فقد أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمي‮ ‬من ذات السلاسل فقبل، ‬فقال له محمد‮: ‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‮ ‬يقبل بالوحي‮ ‬ما شاء،‮ ‬ويمنع ما شاء،‮ ‬ولو كانت هدية الأخ لأخيه لقبلتها،‮ ‬ولكنها هدية إمام شر من خلفها،‮ ‬فقال عمرو‮: ‬قبح الله‮ ‬يوماً‮ ‬صرت فيه لعمر بن الخطاب والياً،‮ ‬والله لقد رأيت العاص بن وائل‮ (‬يقصد أباه‮) ‬يلبس الديباج المزرر بالذهب،‮ ‬وإن الخطاب ليحمل الحطب بمكة على حماره،‮ ‬فقال له محمد بن مسلمة‮: ‬أبوه وأبوك في‮ ‬النار،‮ ‬وعمر خير منك،‮ ‬ولولا اليوم الذي‮ ‬أصبحت تذم لأُلفيتَ‮ ‬مُعتقلاً‮ ‬عنزاً‮ ‬يسرك‮ ‬غُزرُها ويسوؤك بَكرُها،‮ (‬والمقصود أنه لولا هذا اليوم الذي‮ ‬تذمه الآن لكنت في‮ ‬بيتك لا شغل لك‮ ‬غير الإمساك بعنزة تنتظر أن تدر عليك من لبنها‮ ‬يسرك أن‮ ‬يكون لبنها‮ ‬غزيراً‮ ‬ويسوؤك ذكرها الذي‮ ‬لا لبن له‮)‬،‮ ‬فقال عمرو‮: ‬هي‮ ‬فلتة المُغضَب،‮ ‬وهي‮ ‬عندك أمانة،‮ ‬ثم أحضر ماله فقاسمه،‮ ‬حتى قسم نعليه‮.‬ اعتزال الفتن عاش قوياً في‮ ‬الحق ثابتاً‮ ‬عند الملمات،‮ ‬شجاعاً‮ ‬لا‮ ‬يخشى في‮ ‬الحق لومة لائم،‮ ‬وقد سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه‮: ‬كيف تراني‮ ‬يا محمد؟ ‬فقال‮: ‬أراك والله كما أحب،‮ ‬وكما‮ ‬يحب من‮ ‬يحب لك الخير،‮ ‬أراك قوياً‮ ‬على جمع المال،‮ ‬عفيفاً‮ ‬عنه،‮ ‬عدلاً‮ ‬في‮ ‬قسمه،‮ ‬ولو ملت عدلناك كما‮ ‬يُعدل السهم في‮ ‬الثقاف،‮ ‬فقال عمر‮: ‬هاه،‮ ‬فكررها محمد‮: ‬لو ملت عدلناك كما‮ ‬يُعدل السهم في‮ ‬الثقاف،‮ ‬فقال عمر‮: ‬الحمد لله الذي‮ ‬جعلني‮ ‬في‮ ‬قوم إذا ملت عدلوني‮.‬ أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً‮ ‬وأوصاه قائلاً‮: (‬قاتل به المشركين ما قاتلوا،‮ ‬فإذا رأيت المسلمين قد أقبل بعضهم على بعض،‮ ‬فائت أحداً‮ ‬فاضربه به حتى تقطعه،‮ ‬ثم اجلس في‮ ‬بيتك حتى تأتيك‮ ‬يد خاطئة أو منية قاضية‮)‬،‮ ‬وظل على وصية حبيبه صلى الله عليه وسلم فاعتزل الفتن،‮ ‬وأقام بالربذة حتى اقتحم عليه المنزل أحد الأشقياء فقتله،‮ ‬سنة ثلاث وأربعين هجرية،‮ ‬ودفن إلى جانب الصحابي‮ ‬الجليل أبي‮ ‬ذر الغفاري رضي الله عنه بالربذة‮. ‬

مشاركة :