لا تُعدّ سياسة التقشف المتبعة في إقليم كردستان العراق «الحل الأمثل للأزمة الاقتصادية فيه»، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (ميري) العاملة في إربيل والذي أعده الباحث فيها آرام قادر كوكوي. إذ رأى أن تراجع أسعار النفط وانخفاض الموازنة الاتحادية واستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين، والمشاركة في الحرب ضد الدولة الإسلامية (داعش) والفساد المستشري، شكلت عوامل «ضغطت على موازنة الحكومتين في إقليم كردستان والعراق، ما أدى إلى عجز كبير فيها، بحيث شُلّ القطاع الخاص بسبب النقص في السيولة». وكإجراء مُضاد لاحظ التقرير أن «حكومة الإقليم دفعت فقط جزءاً من الرواتب المُتأخرة، وأوقفت معظم مشاريع التنمية والبنى التحتية». وسأل «هل هذه السياسة المعتمدة منذ العام 2015 لا تزال صالحة»؟. وأشار التقرير الى انعكاسات تدنّي الاستثمار الخاص في الإقليم في شكل كبير، راصداً «تردّداً متزايداً لدى المستثمرين بسبب الأخطار المرتبطة بانعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي والفساد، ولاعتماد المُستثمرين تقليداً على القروض والمشتريات الحكومية». بالتالي، «سيكون لأي خفض في موازنة الحكومة أثر كبير في الاستثمار الكلي والناتج المحلي». واعتبر أن «السياسة الحالية لخفض الرواتب ربما كانت مُناسبة كإجراء وحيد مُتاح للطوارئ بالنسبة إلى حكومة إقليم كردستان، التي كانت خزينتها فارغة». لكن استمرار هذه السياسة على المدى الطويل، يشي بأن «الاقتصاد ينهار». وعرض كوكوي في تقريره الآثار المُترتبة على سياسات التقشف الحالية الملموسة في شكل واضح في الإقليم، لافتاً إلى أن موظفين شباباً كثراً موهوبين ومتعلمين يغادرون البلاد، أو يستقيلون نهائياً من الوظائف الحكومية، للبحث عن فرص عمل أفضل. لذا من الواضح أن أولئك الذين يتركون وظائفهم الحكومية، هُم من بين الأكفأ عملاً في القطاعات الحيوية، التي قد تواجه مزيداً من التدهور في الجودة». ولم يغفل أيضاً «مسألة الكفاءة التي تخسر ميزاتها من خلال التوظيف الوهمي والمحسوبية والفساد، التي لا تزال من أبرز المشاكل التي تُساهم في اضمحلال الموازنة العامة». وتطرّق إلى الطبقة الوسطى في إقليم كردستان العراق، التي «تعرضت لأزمة كبيرة مع تراجع أوضاعها ووصولها إلى مستوى تحت خط الفقر، كما ان الذين يشكلون غالبية المستهلكين يفقدون الثقة في الاقتصاد وباتوا ينفقون أقل». وفي حال استمر التقشف مع الاتجاهات السلبية، فإن ذلك «سيؤدي إلى انكماش أكبر ما يعني إمكان انهيار الاقتصاد أو استمرار تراجع الطلب في شكل يفضي إلى تراكم تدريجي للركود». واختُتم التقرير بطرح أفكار واقتراحات «يُمكن أن تخلق ديناميكيات جديدة غير التقشف تناسب أكثر حالة الإقليم، مثل زيادة الإيرادات من طريق رفع الضرائب على السلع الفاخرة والكماليات وعلى الجُنح والمُخالفات». وفي مجال الاستثمار، لفت التقرير إلى أن القانون الخاص به «يستثني مستثمرين داخليين وخارجيين من دفع الضرائب، لذا رأى أن «رفع هذه الحصانة أو الحد من فترة الإعفاء، ستؤمن مصدراً آخر للدخل الحكومي». واقترح «فرض غرامات إضافية للعقوبات المقررة للـ «الجرائم البسيطة» مثل المخالفات المرورية ورمي النفايات وتلويث البيئة، التي ستفضي في الوقت ذاته إلى خلق ثقافة التزام القانون واحترام التنظيم». وأوصى بأن «تتزامن هذه الإجراءات مع الاستثمار في عملية تحسين الخدمات». ولتحقيق مزيد من الوفر، شدّد التقرير على ضرورة «تبني الرفع التدريجي للسلع والخدمات وإلغاء معونات تحديداً في مجال الطاقة»، مشيراً إلى أن الحكومة «تنفق نحو تريليون دينار عراقي سنوياً على معونات فى دعم إنتاج الطاقة واستهلاكها ما ينتج عبئاً كبيراً على الموازنة وتشويهاً للأسعار، ويتسبّب بالتالي بعدم الكفاءة». وإذ لم يغفل أن إلغاء الدعم في قطاع الطاقة «سيؤثر في المدى القصير في أصحاب المداخيل المتدنية والمتوسطة»، أكد أن ذلك «سيُعوّض في المدى الطويل بزيادة الكفاءة وتحسين الخدمات، وثقة أكبر بتوفير الكهرباء». وشدد على ضرورة «إقناع البنك المركزي العراقي بتنشيط فروعه على المدى الطويل في أربيل والسليمانية، واستعادة صِلاته وسلطته عليها». كما «على البنك المركزي العراقي السماح للدينار العراقي بخفض قيمته، لإنعاش الاقتصاد». وطرح التقرير تخصيص المرافق والخدمات العامة، «التي يُمكن القطاع الخاص إدارتها بكفاءة وبكلفة أقل، مثل شبكات المياه والكهرباء وبناء الجسور والطرق». ورأى إمكان أن «تسلّم حكومة الإقليم هذه المشاريع المتروكة وتلك المستقبلية إلى القطاع الخاص، من خلال قواعد ولوائح مناسبة تحمي مصالح المستهلكين ودافعي الضرائب والمُستثمرين».
مشاركة :