لم يمر هاشتاغ لو الحياة بدون جوال مرور الكرام على الجمهور، بل نال حظه الوافر من الأحضان والقبلات، فلم يلبث أن تهادى على سطح تويتر حتى اعتلى عرشه، ربما بسبب الحنين الذي أثاره في نفوسهم، أو الشوق لأيام كانت العائلة فيها تجتمع معاً على مائدة واحدة، وقلبٍ واحد. كذلك، لم تنجح الدقائق ولا الثواني في الفصل بين التعليقات التي انهالت واحدة تلو الأخرى، معبرة عن رغبات كامنة في عودة زمان مضى، كانت فيه العيون تصافح بعضها بعضاً، وكانت القصص والحكايات لا تنتهي، وصوت الضحكات العائلية لا يتوقف، وسط لمة لم يعد لها وجود، وعالم افتراضي فرض نفسه، ولم يعد لحميمية الواقع في جنباته أي حضور. آهات تردد صداها في زوايا مواقع التواصل، وعبرات مخنوقة، امتزج بعضها ببعض ضحكات ساخرة تناثرت هنا وهناك، وردود متوالية استرجع من خلالها الجمهور ذكريات أيام كان فيها التواصل بين الناس ذا قيمة، وكانت الحياة الواقعية أجمل دون عوالم افتراضية. أسرى غرَّد الكثيرون، مشيرين إلى أننا كنا نعيش دون جوال مرتاحين ومبسوطين، ولا نعرف انترنت ولا إزعاجا لافتين إلى أن الجوال جاء وجعلنا أسرى له من خلال تحكمه بوقتنا، وأن حياة الماضي أجمل، ومن المؤسف أن الجوال والانترنت أكلا عقولنا، فيما نشر أحد المغردين صورة جميلة لـلمة العائلة وعلق عليها كانت حياتنا جميلة، كنا نذهب سيراً على الأقدام بحثاً عن الأحبة، نمرح ونلهو دون ملل، أما الآن فكل شيء تغير. وانتشرت بسبب هذا الهاشتاغ صور جميلة، أعادت الحياة إلى عيوننا التي افتقدت لفترة طويلة منظر الأطفال وهم يمارسون الألعاب الشعبية، ومنظر الجدة والأم والأب والأحفاد في تلاحم حقيقي. حمام زاجل ولأن لكل معادلة طرفين، كان للطرف الثاني رأي مختلف، ففي نظرهم الحياة بلا جوال معقدة، سيضطر الناس فيها للعودة إلى عصر الحمام الزاجل في إيصال كلماتهم، ولم يخل النقاش من التعليقات الساخرة، التي انحاز فيها الكثيرون إلى الموبايل، ليشير أحدهم أن هاتفه حين تلف لمدة 24 ساعة، شعر بأنها مرت عليه وكأنها 24 سنة، فيما قابل آخر سؤال كيف هي الحياة بدون جوال بسؤال آخر قال فيه كيف يعيش الزوج بدون زوجته، واتفقت بعض المغردات على أن الحياة كئيبة وبائسة بلا انترنت ولا موبايل. دون حوار البيان تواصلت مع المستشارة الأسرية عائشة الحويدي، موجهة الخدمة الاجتماعية بمنطقة الشارقة التعليمية سابقاً، لتؤكد بأن المجتمع لم يعد يعي قيمة الوقت واستثماره، وقالت: أصبحت ثقافة الوقت شبه معدومة لدى الكثيرين، ما جعل التقنيات تفرض نفسها على مستخدميها، وتسلب عقولهم دون وعي منهم. وأشارت الحويدي إلى أن الهواتف النقالة والتقنيات سهَّلت حياتنا، إلا أنها بالمقابل فرقتنا بدلاً من أن تجمعنا، وقالت: دور الهاتف هو أن يكون وسيلة تواصل، إلا أن العكس هو الذي تحقق اليوم، فانتشار الهواتف النقالة في يدي الكبار والصغار باعد بين أفراد الأسرة، فمن المؤسف أن تجتمع الأسرة على طاولة واحدة دون أي حوار، حتى إن العدوى انتقلت للأصدقاء الذين يخرجون لقضاء الوقت معاً لكنهم لا يرفعون أعينهم عن شاشات هواتفهم النقالة، وهذا أمر مزعج. ومن خلال خبرتها في مجال التوجيه الاجتماعي والأسري، لفتت الحويدي إلى ضرورة أن يرتقي كل إنسان بنفسه وبعالمه، وقالت: أصبحنا لا نشعر بالوقت، ونجحت هذه الأجهزة في أن تقضي على خصوصيتنا، وأن تجذب كل فرد من أفراد الأسرة للسهر معها لأوقات متأخرة، ما يترتب على ذلك من آثار صحية، وينعكس بالتالي على عطاء كل فرد تجاه أسرته. قيمة الحياة ونصحت الحويدي الأم والأب بضرورة إعادة الأمور إلى نصابها، وقالت: علينا أن نعطي حياتنا قيمتها الحقيقية، وذلك بأن نفتح أعيننا على ما حولنا من أماكن ووسائل ترفيه وتعلم، والتركيز على التواصل الواقعي مع المجتمع، حتى لا يمر العمر من بين أيدينا، وتمر معه فرص كان يمكن أن نغتنمها في تحقيق نجاحات وإنجازات حقيقية. استياء عبَّر بعض المغردين عن استيائهم من تخلي الكثيرين عن خصوصيتهم، وهو ما ساهمت فيه الهواتف الذكية من خلال إتاحتها الفرصة لنشر كل شيء، حتى اخترقت جدران المنازل ووصلت إلى أصناف الطعام، لافتين إلى أنه لم يعد هناك خصوصية على الإطلاق، وهو ما يتطلب من كل راعٍ ومسؤول إعادة النظر في الأمر.
مشاركة :