صحيفة وصف: لم تبق سوى أيام معدودة على انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو، فيما وجهت قوات الأمن البرازيلية تركيزها إلى جريمة غير منظمة هي الإرهاب في المنطقة الحدودية بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين. وقد عززت إجراءات الرقابة عند المعبر الحدودي مع باراغواي، حيث يعبر عشرات الآلاف ذهابا وإيابا يوميا وأنشأت غرفة مراقبة مزودة بعشرات الكاميرات لمتابعة مختلف أجزاء الحدود. ومنذ فترة طويلة يشير مسؤولو المخابرات إلى هذه المنطقة الحدودية التي تعيش بها جالية مسلمة كبيرة باعتبارها نقطة ضعف في الأمن البرازيلي. وفي صباح بارد هب فيه النسيم من باراغواي يوقف مسؤولو الجمارك السيارات التي تمر من أكثر معابر البرازيل الحدودية ازدحاما من حين لآخر ويفتشونها بحثا عن سلع مهربة. ومعظم الركاب من البرازيليين الفقراء ويحملون أجهزة إلكترونية يقولون إنه سمح لهم بشرائها بدون جمارك على الجانب الآخر من النهر في مدينة سويداد ديل إيست في باراغواي، لكن هناك تجارة أكثر خطورة أيضا، حيث تتحسب السلطات البرازيلية الى اعتداءات ارهابية. وقال ليوناردو المسؤول بالجمارك في البرازيل الذي يعمل على الجسر منذ عامين بينما كان يراقب السيارات تمر ببطء عبر الحدود المفتوحة “تكتسب دقة ملاحظة.” ويقدر عدد الأجانب الذين سيتوافدون على ريو لمتابعة الأولمبياد بنحو نصف مليون وقد زادت الهجمات الأخيرة على مدن أوروبية المخاوف الأمنية في البرازيل. وفي ظل هذه المعطيات عادت المهمة الشاقة لمراقبة المنطقة الحدودية بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين إلى دائرة الضوء مرة أخرى. والشهر الماضي ألقت السلطات البرازيلية القبض على 12 شخصا للاشتباه في دعمهم لتنظيم الدولة الإسلامية ودراستهم تنفيذ هجوم خلال الأولمبياد. وكانت هذه المرة الأولى التي تعترف فيها الحكومة بوجود أنشطة إرهابية محتملة داخل حدودها. وتقول الشرطة إنها تراقب 100 آخرين لهم صلات محتملة بالتشدد الإسلامي معظمهم في منطقة الحدود الثلاثية. والنقطة التي تلتقي فيها فويز ديجويسو في البرازيل مع سويداد ديل إيست في باراغواي وبورتو إيجواتسو في الأرجنتين منطقة جذب سياحي لزوار شلالات إيجواتسو. كما أنها طريق رئيسية للتهريب. ووسط متاهة من الأكشاك حول مراكز التسوق الشاهقة وحيث يمتزج دخان النرجيلة مع رائحة الأحذية الرياضية الجديدة ويبدل تجار العملة رزم النقود إلى جوار رجال يعرضون بنادق للبيع، يصبح الخيال بلا حدود، لكن من الصعب رسم صورة واضحة عن الواقع. والصلة الوحيدة الواضحة بين الاثني عشر الذين كانوا يخططون لهجوم وتم إلقاء القبض عليهم وبين هذه المنطقة محاولة مزعومة من جانب أحد أفراد المجموعة لشراء بندقية كلاشنيكوف عن طريق الإنترنت من متجر في سويداد ديل إيست. وفي ظل سهولة الحصول على أسلحة بالمدن الرئيسية في البرازيل رفض كثيرون الربط بين الأمرين باعتبار أن هذه علامة أخرى على أنهم مجموعة من الهواة بالمقارنة بالمخاطر التي تنطوي عليها منطقة الحدود الثلاثية. منطقة خصبة للتطرف لكن مصادر بالشرطة على الحدود تعترف بأن المنطقة أرض خصبة للحركات المتطرفة. وقال مصدر بالشرطة “لا شك أن الوضع يلاءم من يسعى لأن يصبح إرهابيا… النشاط الإجرامي وتدفق الناس والأسلحة والجالية المسلمة المستقرة والمنغلقة على نفسها كل هذا موجود هناك.” وثارت المخاوف بشأن المنطقة باعتبارها نقطة محتملة لجمع الأموال ودخول المتشددين بعد أن اقتفت أجهزة المخابرات أثر هجمات في بوينس ايرس على السفارة الإسرائيلية عام 1992 وعلى مركز يهودي عام 1994 ووجدت صلة بينهما وبين المنطقة. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 114 شخصا وألقي باللائمة فيها على جماعة حزب الله اللبنانية. ووجد مسؤولو المخابرات الأميركية صلات بالجالية اللبنانية الكبيرة في منطقة الحدود الثلاثية وبأموال تم جمعها من مراكز تسوق معينة في سويداد ديل إيست. وأظهرت برقيات دبلوماسية نشرها موقع ويكيليكس من تلك الفترة غضبا أميركيا. وجاء في رسالة بعثت بها السفارة الأميركية في برازيليا في أكتوبر/تشرين الأول عام 2009 “رسميا لا إرهاب داخل حدود البرازيل… حقيقة الأمر أن هناك عدة جماعات إسلامية لها صلات أو يشتبه في صلاتها بتنظيمات متطرفة لها فروع في البرازيل ويشتبه في قيامها بأنشطة تمويلية.” وقالت برقية أخرى مؤرخة في يناير/كانون الثاني 2008 إن البرازيل “لا تزال شديدة الحساسية” إزاء المزاعم بأن منطقة الحدود الثلاثية “مرتع للأنشطة الإرهابية.” ويبدو أن مرجع هذه الحساسية إلى الرغبة في عدم الإضرار بالسياحة في المنطقة والخوف من وصم الجالية المسلمة في البرازيل البالغ قوامها نحو مليون شخص بالإرهاب ومعظمهم في ساو باولو وفويز ديجويسو ومدينة كوريتشيبا. وجرت كل الاعتقالات في الفترة السابقة للأولمبياد بموجب القانون الجديد لمكافحة الإرهاب الذي تم إقراره في مارس/آذار وهو يمثل تغيرا كبيرا في نهج البرازيل. وقال القاضي المشرف على التحقيق ماركوس جوسيرجي دا سيلفا “يسهل القانون كثيرا تبادل المعلومات بين الشرطة وأجهزة المخابرات في مختلف البلدان.” ولخص ممثل الادعاء في القضية رفائيل فروم ميرون الوضع بمزيد من البساطة قائلا “لو كانت لدي الأدلة نفسها قبل ستة أشهر لما تمكنت من القيام بشيء.” وأكد عبده ناصر الخطيب إمام المسجد الأبيض في فويز ديجويسو التعاون والتكامل قائلا إنه سينبه الشرطة إذا اشتبه في أن أحد المترددين على المسجد متطرف. لكن على الجسر أو في النهر أسفله الوضع مختلف. تقوض الصعوبات اللوجستية والفساد ونقص الموارد جهود تحسين الأمن. شريان حياة وباراغواي جارة ذات حساسية، حيث أنها ثاني أفقر دول أميركا الجنوبية بعد بوليفيا والتجارة المشروعة وغير المشروعة مع البرازيل هي شريان الحياة بالنسبة إلى سيوداد دي إيست. ومن شأن محاولات زيادة إجراءات الأمن من خلال تفتيش المزيد من الأشخاص والشحنات إبطاء تدفق السلع وستدق مسمارا في نعش المنطقة الحدودية الشرقية في باراجواي. وعلى الرغم من أنها على مسافة عشر دقائق سيرا على الأقدام من البرازيل فإن سويداد ديل إيست تعتبر موقعا ينطوي على متاعب للدبلوماسيين البرازيليين. فشوارعها الصاخبة توحي بالانفلات الأمني على الرغم من التواجد الشرطي الكثيف. ومن بين المشكلات نقص الموارد. في دورية مع الشرطة بقارب تهريب تم ضبطه يشير ضباط إلى موانئ سرية على نهر بارانا. يرتدون سترات واقية من الرصاص تحسبا لإطلاق النار الذي يقع من حين لآخر من باراغواي ويمرون أمام أحياء فقيرة على ضفة النهر حيث كان التهريب مصدر رزق لأجيال. وقال ضابط “نحتاج عشرة أمثال الأفراد حتى نتمكن فعلا من تأمين هذه الحدود.”
مشاركة :