سئلت الرسامة المكسيكية فريدا كالو عن صبرها واحتمالها لزوجها غير المخلص، فكان جوابها: «لا يسعني إلا أن أحبه لما هو عليه، فلا يمكنني أن أحبه لما هو ليس عليه». وفي هذه الجزئية وليس في غيرها كان أن سألها زوجها دييغو عن رأيها على اعتبار أن جسده - كما في اعتقاده - غير مهيأ للإخلاص لامرأة واحدة، فكانت قناعة فريدا أن الولاء أهم من الإخلاص. فافعل ما شئت، أمّا ولاؤك فلي وحدي. ولكنه رأي لا توافق عليه غالبية النساء، فالخيانة بالنسبة إلى المرأة هي عقل وجسد. بعكس مفهومها في تفكير الرجل، الذي يخون المرأة التي يحبها «بل ويعشقها» مع نساء عدة، ولا يصله كيف لا تسامحه إن أخبرها أنهن مجرد نسوة عابرات في حياته، وقد يصادف إحداهن في الطريق ولا يتذكرها لأنه بأمانة لا يتذكرها. بالنسبة إلى المرأة هو منطق حيواني أحمق، وبالنسبة إلى الرجل هذا هو المنطق. ونحن هنا لا نقحم موضوع الحلال بنقيضه الحرام. فمن الجلي أنه - ومع كل دروس الحلال التي تلقنها الرجل وتشربها منذ صغره - إلا أنه أحل الخطيئة لنفسه وعدها من الفحولة والسجل العريض، ولن تجد من يؤنِّب «الفحل» الذكوري في السر، ولكن في العلن ستستمع إلى الناصحين ووقار صوتهم وهم يحكون عن فضيلة العفة واحتساب الأجر. يقول شكسبير: «البعض ترفعه الخطيئة، والبعض تسقطه الفضيلة». وهي عبارة واقعية في علاقة الرجل بالمرأة. فيرتفع الرجل بخطيئته إلى مراتب من اللذة والتمتّع، لا يساعده عليهما سوى التفسير الجاهز في عقله، يصور له المبرر ويعرضه عليه ليتصالح مع فعله، فيستمر وكل امرأة في حياته تظن أنها هي ولا أحد غيرها، إلى أن يقرر ذات يوم أغبر «عليه قبل غيره» الارتفاع بمراتب الفضيلة والضمير والاعتراف للأولى بخيانته لها مع الثانية، ندماً «وليس توبة» وطلباً لغفرانها، ليسقط الرجل بفضيلته كنبوءة شكسبير. فالمرأة لا تغفر الخيانة، وإن ادعت العكس فهي الكاذبة. لذلك هي تخدع الرجل وتوهمه أنها سامحته، لأنها بعد تقويمها الموقف تتجه محصِّلة حساباتها نحو الاحتفاظ بالخائن «وأحياناً حتى حين»، واستعادة ما كان ملكها من منافستها، ليس حباً فيه ولكن كرهاً بالأخرى، والتزاماً بالبيت والأبناء إن وجدا في مكان ما. أمّا الرجل الذي تحوّل قدره وصار هو المخدوع في القصة، فيصدِّق أنه المغفور له، لا لشيء إلا لرغبته في التصديق وإغلاق صندوق «وجع الرأس»، فيدفع في سبيل راحته وسذاجته ثمناً باهظاً لم يتوقعه. فلا أصعب من العيش مع امرأة تشك في زوجها، وانظر إلى وداعتها وهي تسترجع مع ذاكرتها الحديدية «تاريخك المجيد» الذي ستسرده أمامك وسط ذهولك عند أول «احتمال غلطة»، وطبعاً بصوتها الحنون «الجهوري». تقول أحلام مستغانمي على لسان شخصياتها: «تحاشي معي الأسئلة، كي لا ترغميني على الكذب. يبدأ الكذب حقاً عندما نكون مرغمين على الجواب، ماعدا هذا فكل ما سأقوله من تلقاء نفسي فهو صادق». فهو لا يريدها أن تعرف كي لا يجرحها، ولكنها تصر وتحاصره إلى أن يقر ويعترف، فتصدم وتشعر بالتعاسة وبكثير من عدم الثقة، ومن الشك فيه إلى عدم الإحساس بالأمان معه، وعندها تبدأ بالتخطيط لنفسها ومصلحتها، وقد توفّق إلى شيء، وقد لا تنجح إلا في الفشل. وعلى العموم المرأة التي تنفِّس عن غضبها آمن من أخرى غامضة لا تدري ما يدور في عقلها وتحجبه عنك. يقول برناردشو: «احذر من الشخص الذي لا ينتقم منك. فهو لم يسامحك، ولم يسمح لك أن تسامح نفسك». حسناً جداً، وبعد الغضب والتنفيس ألا نعود إلى قناعة فريدا كالو في أن ولاء الرجل لكِ أهم من إخلاص جسده! فلا تعيشي بعقلين متناقضين: واحد للحب، وآخر للكره وعقد المؤامرات، فإن كان رجلك فيه من العاطفة نحوك، ومن الصفات التي تتوافق معك، ومن الذكريات المشتركة بينكما ما يستحق أن تواصلي معه، «فلا تخربيها وتقعدي على تلها». فإذا هو لم يفكر في العواقب في وجود امرأة أخرى، فهذا هو منذ أن أصبح رجلاً، أمّا أنتِ فلك عقل يفكر وقلب يحب ويحن. فوظِّفي الأول وأطيعي الثاني. suraya@alhayat.com
مشاركة :