استمع كريستوفر هِل مما لا شك فيه أن حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، التي كانت طويلة وصاخبة وعنيفة بالفعل، سوف تزداد عنفاً وصخباً في الأشهر المقبلة، في ظل المواجهة قبيل الانتخابات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني بين مرشحي الحزبين اللذين أصبح اختيارهما رسمياً الآن. ولكن الناخبين سوف يواجهون اختياراً واضحاً، خاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. تَعِد مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، بالاستمرارية. وسوف تظل إدارة كلينتون توضح لخصوم أمريكا أن المبادئ العريضة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية لن تتغير. بيد أن رؤية مختلفة تماماً برزت على الجانب الجمهوري، مع ترشيح دونالد ترامب. أنفقت مؤسسة الحزب الجمهوري فترة الانتخابات التمهيدية في حيرة من أمرها، تتساءل كيف من الممكن أن يحدث شيء مثل ترشح ترامب. على سبيل المثال، في مارس/آذار 2016، وَقَّع المئات من المستشارين الجمهوريين، الذين يمثلون طائفة واسعة من وجهات النظر في السياسة الخارجية على خطاب مفتوح أعربوا فيه عن معارضتهم لترامب، ورغم أن بعض هؤلاء المستشارين ربما يدعمونه هذا الخريف، بعد أن اطمأنوا إلى التزامه بوجهات نظرهم، فإن أغلبهم لن يفعلوا. لقد أنتج الحزب الجمهوري مرشحاً رئاسياً يحمل رؤية قاتمة لآفاق أمريكا، حتى إنه يتصور أن البلاد انزلقت إلى هاوية قد لا تخرج منها أبداً. وفي حين لا يزال قسم كبير من العالم يتطلع إلى الولايات المتحدة طلباً للزعامة الدولية الحكيمة، فإن المؤتمر الوطني الجمهوري في كليفلاند، حيث جرى ترشيح ترامب رسمياً، لم يعرض شيئاً سوى الخوف. كان أحد العناصر اللافتة للنظر في الخطاب الذي ألقاه ترامب في المؤتمر، الهجوم الذي شنه على آخر إدارة جمهورية. فوصف جورج دبليو بوش بأنه متآمر مع هيلاري كلينتون في تشابكات وتعقيدات خارجية متنوعة، مثل الحروب، والأسوأ منها الاتفاقيات التجارية. ولكنه طوال خطابه لم يُشِر إلى بقية إرث الحزب الجمهوري الذي دام 162 عاماً. ماذا عن أبراهام لينكولن؟ وماذا عن الجنرال دوايت أيزنهاور، بطل الحرب والرئيس الذي بنى شبكة الطرق السريعة بين الولايات، التي يزعم ترامب أنها متهالكة إلى حد بالغ الخطورة؟ يبدو أنه لم يسمع به مطلقاً. ويبدو أن المندوبين الحاضرين لم يجدوا مشكلة في هذا الإغفال. ذات يوم، قال رونالد ريغان، قديس الحزب الجمهوري الشفيع في العصر الحديث، إن الحكومة هي المشكلة وليست الحل، وهي المقولة التي جسدت العداء المناهض للحكومة الذي ميز الحزب الجمهوري منذ ذلك الحين. وهي لمفارقة ساخرة أن أي مرشح جمهوري للمنصب سوف يسارع إلى التخلص من الحكومة، وليس الخدمة فيها فعلياً. لا عجب، إذاً، أن يرشح الناخبون الجمهوريون شخصاً لم يخدم في الحكومة قط. كان الدفاع الوطني دوماً الاستثناء الوحيد لهذا الرأي المناهض للحكومة. ولكن الحزب الجمهوري تغير حتى في ما يتصل بهذه القضية. فقد أشار ترامب إلى أنه لن يحترم التزامات أمريكا في حلف شمال الأطلسي، وأنه يعتزم تجاهل الحكم العالمي والتعامل مع المفاوضات مع الدول الأخرى كأنها مراسم استسلام لمواقف الولايات المتحدة، وليس باعتبارها مداولات تجري في اتجاهين. ومع هذا، إذا كانت مؤسسة السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري راغبة في فهم من أين أتى مرشح مثل ترامب، فيحسن بأعضائها أن ينظروا إلى سلوك بعض الأعضاء بين صفوفهم. فأولئك من أمثال ماكس بوت، الذين كثيراً ما دعوا إلى استخدام القوة بصورة أحادية في بؤر التوتر العالمية، مهدوا له الطريق حتى وإن كانوا لا يؤيدونه اليوم. كما ساعده آخرون خلال حملته التي كانت أشبه بمشاجرة في حانة، عندما حول الخلافات السياسية المتمدينة إلى هجمات شخصية. ووفقاً لاستطلاعات الرأي والخبراء، سوف يخسر ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني في الأرجح. وإذا لم تكن السنوات الثماني الماضية كافية للجمهوريين لإصلاح حزبهم، فربما تكفيهم أربع أو ثماني سنوات أخرى. ويأمل المرء أن ينجحوا. إن الديمقراطية الأمريكية والسياسة الخارجية الأمريكية في احتياج إلى حزبين رئيسيين على الأقل، وليس حزب واحد يتبع التيار السائد، وآخر يتخذ منحى متطرفاً. * مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق لشرق آسيا، وعميد كلية كوربل للدراسات الدولية بجامعة دنفر. والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت
مشاركة :