من آخر جمعة في شهر أكتوبر حتى الحادي عشر من نوفمبر، ومنذ عام 1919 حتى الآن، يعلق البريطانيون على صدورهم باتجاه القلب، زهرة حمراء تدعى (زهرة الخشخاش الحمراء) إحياء لذكرى المحاربين القدماء الذين سقطوا في الحرب العالمية الأولى مروراً بكل الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الدفاع عن أمن وحدود بلدهم حتى وقتنا الحالي.. وهذه الزهرة ترمز إلى كلمة ترددت غير مرة في قصيدة (حقول الفلاندرز) لأحد الضباط الأطباء الذي رثى فيها أحد زملائه آنذاك، ثم تحولت بعد ذلك لرمز يحييه البريطانيون وغيرهم في كل مناشط الحياة صغارا وكبارا، وهكذا فطرت الأمم والشعوب على تقدير وتذكر من ضحوا بأرواحهم في سبيل أن تستمر حياة شعوبهم مستقرة وآمنة وسعيدة، نعم تختلف أساليب التقدير والذكرى ولكنها تبقى ما بقي للأمم والشعوب ذاكرة تحكي لأجيالها تاريخ وطن قامت أركانه على تضحية الآباء والأجداد.. ونحن في وطننا الغالي أحوج ما نكون لاستلهام معنى وفكرة (زهرة الخشخاش الحمراء) ربما ليس بذات الأسلوب أو ذات الطريقة البريطانية، ولكن بأسلوب يناسب كرامة شهدائنا الأبرار ودماءهم الزكية، لا نجادل في أن ما عند الله لهم خير وأبقى ولكن حقهم علينا ألا تموت ذكراهم، وأن يتعلم الأجيال من تضحياتهم وأن يفخر أبناؤهم على رؤوس الأشهاد أن آباءهم سقوا تراب هذه الأرض بدمائهم، لا أقصد العناية المادية التي توليها لهم أجهزة الدفاع والحرس والأمن كالترقيات وصرف المرتبات وتسديد الديون وتأمين السكن وخلافه.. وإنما أقصد العناية المعنوية والمجتمعية التي يمتد أثرها على كل سكان الوطن وتاريخه وأجياله القادمة.. لأن هذه العناية سوف تبني للوطن سوراً من الأبطال والشهداء الذين يتسابقون لشرف الدفاع عن الوطن وأهله. لا يعقل أن نجد من بني جلدتنا -حتى إن كانوا قلة- من يبكي ويزداد عويله على شهداء في مشارق الأرض ومغاربها ثم لا تذرف له دمعة ولا تسمع لهم همسة على شهداء الوطن.. لن نتوسل من قناة كالجزيرة أو غيرها أن تعترف بشهدائنا، ولكننا في ذات الوقت ينبغي أن نضع ألف خطٍ أحمر على التعامل أو المشاركة مع كل من لا يقدر شهداءنا أو يحفظ لهم كرامتهم على الأقل لدينا نحن كأبناء وطن واحد..!! كم هو عارٌ أن تتهدج أصوات البعض بكاء وتمجيداً لكل شهداء الأرض ما عدا شهداء أبناء وطنهم، لن أزيد فقد انكشف في أيامنا القليلة الماضية سوءة أناس غلب هواهم الحزبي الملوث هواء وطنهم المقدس النظيف فامتلأت صدورهم وأنوفهم بما يزكم ويمنعهم عن استنشاق مسك شهدائنا الأبرار!!. وقفة: رحم الله كل شهدائنا الأبطال الذين ارتفعت أرواحهم مؤخرا في ساحات الشرف والبطولة. رحمهم الله أجمعين السابقين منهم واللاحقين، وحماكم الله أيها القابضون على الزناد تقدحون للوطن مجداً تليداً وشرفاً رفيعاً نحيا به مرفوعي الرأس على مر الزمان.
مشاركة :