فوجئت وغيري بخبر وفاة أخي وصديقي أستاذ التأريخ وعضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن إبراهيم العسكر يوم الجمعة 24-10-1437هـ بحادث مروري وهو خارج من مكتبة الاسكندرية. وكنت على اتصال معه قبل أيام وبالتحديد بعد أسبوع من عيد الفطر المبارك إذ كنا نسهر في منزل الصديق مشاري بالغنيم وكان الحديث بينه والدكتور معجب الزهراني يدور حول مشاريعه المنتظرة في معهد العالم العربي بباريس, فكان يقترح أن يفتح الأبواب والنوافذ ويوثق العلاقات الثقافية والفكرية بين أبناء العروبة والفرنسيين, ومحو ما علق بأذهانهم من أن العرب إرهابيون واتفقا على أن أول خطوة يخطوها معجب عند ذهابه إلى هناك أن يضع إكليلاً من الزهور في مكان الجريمة البشعة في نيس. كنت معه -رحمه الله- قبل نحو ثلاثة أشهر في المهرجان الثقافي الخامس الذي اعتاد مركز صالح بن صالح الاجتماعي أن يقيمه في عنيزة, وكان دورنا مع الدكتور فايز الحربي التحدث عن التأريخ الشفهي وأهمية رصده وحفظه قبل أن يرحل كبار السن فنفقد الكثير من شهاداتهم. وكان أبو نايف بعلاقاته الواسعة ومحبة الجميع له ومحبته لهم يطلب منا مشاركته في زيارة بعض زملائه في جامعة القصيم وبالذات من يهتم بالتأريخ, وأخذنا في ظهر الجمعة إلى الخبراء حيث زميله في مجلس الشورى سلطان السلطان فتعرفنا عليه وعلى والده الذي كان له دور مهم مع الملك المؤسس. وتجولنا في البلدة التاريخية وأسواقها الشعبية (المقيَّة). وفي المساء حضرنا مناسبة زواج وفي صباح السبت ونحن نهم بمغادرة عنيزة اقترح أن نمر على محافظة المذنب مروراً بساجر لنتغدى مع المؤرخ يوسف المهنا في شقراء وكان منزله الشعبي داخل الحي القديم الذي أعيد ترميمه كمتحف مفتوح وكان في مدخل المنزل سيارة قديمة وضعت ضمن القطع الأثرية كتراث فما كان من أبي نايف إلا أن صعد إليها ليجلس مكان السائق ويطلب منا الركوب معه ليصورنا للذكرى. هذه صورة تعطي انطباعاً لبساطته ومرحه وخفة دمه وسمو أخلاقه رحمه الله. وكنت أشاركه في شهر المحرم الماضي بندوة بمركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي بالرياض عن (تجربتي مع التأريخ الشفهي) إدارة الدكتور عبدالله المنيف. وقبل ذلك عندما رحب بكتابي (وكلاء الملك عبدالعزيز وممثليه بالخارج) عندما طلبت منه أن يقدم له لكونه متخصصاً بالتأريخ. وقد أرفقت بالكتاب ترجمة لوزير المالية الأول عبدالله السليمان وعما كتبه في حياته وكنت متردداً في إرفاقها بالكتاب. وما أن أطلع عليها إلا وشجعني على إبقائها لأهميتها. التقينا أكثر من مرة أثناء إقامة معرض الكتاب الدولي بالقاهرة وكان بصحبته صديقه الدائم الدكتور عبدالعزيز الشبل, وكنت أدعوه لزيارتي في منزلي المتواضع فيوافق ويشاركنا الميسور مما يتوفر من مأكل بسيط, فهو لمرحه ولطفه وكثرة مزاحه المقبول لا يشترط نوع الأكل أو حتى عدد أو مستوى الحضور.. فسريعاً ما يتصدر المجلس بحديثه الشيق في أي مجال ويحترم الآخرين ويطلب رأيهم, وهو لا يتكلم في غيابهم أو يرضى بلمزهم بما يشينهم. ويذكر أحد زملائه أن له مقولة مشهورة وهي (أن التأريخ لا يحفظ ولا يكتب وإنما يعلم). كثيراً ما يهديني ما يؤلفه أو يترجمه من أعمال تاريخية, وكنت ألتقيه في بداية معرفتنا في مجلس الشيخ حمد الحقيل رحمه الله قبل نحو عشر سنوات. وقد دعوته رحمه الله قبل نحو سنتين لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية والمشاركة في التسجيل معه ضمن برنامج (التأريخ الشفوي للمملكة) فاستجاب بلا تردد مثل غيره. لقد خسرت المملكة بوفاته مؤرخاً ومترجماً وكاتباً نشطاً في الدفاع عن الوطن وقضاياه, وعضواً بارزاً في مجلس الشورى كرئيس للجنة العلاقات الخارجية, ومشاركاته المستمرة في المؤتمرات والملتقيات في الداخل والخارج. رحمه الله رحمة واسعة وعزائي لابنه الحبيب نايف ولأشقائه ولكل أصدقائه ومحبيه.
مشاركة :