طهران تتخذ خطوات تصعيدية في مواجهة القوى الدولية والإقليمية

  • 8/3/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تكشف الانتقادات التي وجهها المرشد الأعلى علي خامنئي للاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 عن مساعيه ليس فقط للحد من تحركات حسن روحاني في الملفات الخلافية الداخلية أو على مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة، ولكنه يستهدف كذلك تمهيد المشهد السياسي لطرح خليفة له، قد يكون أكثر تشدداً، وهو ما وضح في التعيينات الأخيرة في مؤسسة آستان قدس رضوي، وفي تغيير رئيس هيئة الأركان العسكرية في القوات المسلحة الإيرانية، علاوة على سيطرة المتشددين على رئاسة مجلسي الشورى والخبراء. هذا ما كشفه تقرير مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بالإمارات التي تسلمت الرياض نسخة منه يوضح حرص المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، في ذكرى مرور عام على التوصل للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 على تصعيد حدة انتقاداته للاتفاق، معتبراً أنه لم ينتج تداعيات إيجابية واضحة على مصالح إيران على الرغم من التزام بلاده ببنوده. ويهدف هذا التصعيد إلى منع الحكومة من اتخاذ خطوات لتسوية الملفات الخلافية الداخلية البارزة، خاصة تلك المرتبطة برفع الإقامة الجبرية عن كل من مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وإطلاق سراح معتقلي ما يسمى بـالحركة الخضراء، أو تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد تصريحات عديدة أدلى بها الرئيس حسن روحاني وبعض أقطاب تيار المعتدلين على غرار رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني في هذا الصدد. من جهة ثانية، فإن هذه التصريحات تأتي في سياق الجهود التي يبذلها النظام السياسي من أجل تهيئة الساحة الداخلية الإيرانية أمام اختيار خليفة لخامنئي يتبنى توجهاته نفسها، إن لم يكن أكثر تشدداً، خاصة أن المرشد الأعلى خامنئي يعتبر تحسين العلاقات مع ما يطلق عليه الشيطان الأكبر كفيل بإضعاف النظام وربما انهياره في النهاية. هذا الاستعداد المبكر لخلافة خامنئي بدا جلياً في الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها المؤسسات النافذة في النظام السياسي (المرشد/الحرس الثوري) فقد حرص النظام على تمكين حلفائه من المحافظين من تولي رئاسة مجلس الشورى الإسلامي ومجلس خبراء القيادة، على الرغم من النتائج التي حققها تيار المعتدلين في الانتخابات التي أجريت في 26 فبراير 2016، هو ما حد من قدرتهم على قيادة المؤسستين وأضعف نفوذهم داخل مؤسسات الدولة وقلص من قدرتهم على إجراء تغييرات في السياستين الداخلية والخارجية، لاسيما فيما يتعلق برفع الإقامة الجبرية عن كل مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وإطلاق سراح معتقلي الحركة الخضراء، إلى جانب إضفاء طابع أكثر مرونة على تعامل إيران مع الأزمات الإقليمية المختلفة، لاسيما الأزمة السورية. وفي هذا السياق، نجح النظام في تمكين كل من علي لاريجاني وأحمد جنتي من ترؤس مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء، وهو ما وضع عقبات عديدة أمام الجهود التي بذلها المعتدلون لتصعيد بعض كوادرهم لرئاسة لمجلسين، وربما تكون المشكلة أقل وطأة في حالة مجلس الشورى، على أساس أن علي لاريجاني كان حريصاً من البداية على تأسيس علاقات إيجابية مع تيار المعتدلين لدرجة دفعتهم إلى عدم ترشيح أحد كوادرهم لمنافسته في دائرة قم، وربما تمهيداً لتعزيز فرص ترشيحه لانتخابات الرئاسية، في مرحلة ما بعد روحاني، لكن فوز أحمد جنتي تحديدا برئاسة مجلس الخبراء يفرض ضغوطا غير مسبوقة على المعتدلين نظراً أنه أحد أقوى خصومهم السياسيين، ويترأس أيضاً مجلس صيانة الدستور وهو أحد أكثر مسؤولي النظام الذين يوجهون انتقادات لاذعة للمعتدلين، وفي مقدمتهم الرئيس روحاني والرئيس الأسبق رفسنجاني. وكان لافتا أن المرشد علي خامنئي أقدم على خطوة أخرى لم تحظ باهتمام كاف بسبب انشغال القوى السياسية المختلفة بالتوازنات التي ستفرضها الانتخابات الماضية، حيث قام بتعيين إبراهيم رئيسي للإشراف على مؤسسة «آستان قدس رضوي» في7 مارس 2016 بعد وفاة رئيسها السابق آية الله واعظ طبسي. وتتولى هذه المؤسسة مسؤولية إدارة ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد وتعتبر إحدى أهم وأغنى المؤسسات الخيرية الاجتماعية الموجودة في إيران، التي تسمى بـالبونياد، وتمتلك نفوذاً قوياً على الساحة الداخلية نتيجة سيطرتها على مجموعة من المشروعات التي تدر أموالاً ضخمة، حيث يزور الضريح نحو 30 مليون شيعي سنوياً، ولا تخضع على غرار غيرها من مؤسسات البونياد - لسلطة الجهات الرقابية. ووفقاً لتقديرات عديدة فإن قيمة العقارات التي تمتلكها المؤسسة تصل إلى نحو 20 مليار دولار، بالإضافة إلى أنها تسيطر على نحو نصف أراضي مدينة مشهد. ويعتبر إبراهيم رئيسي من رموز تيار المحافظين الأصوليين، وهو يتبنى توجهات أكثر تشدداً من سلفه واعظ طبسي، الذي كانت علاقاته إيجابية مع الرئيس روحاني وتيار المعتدلين بصفة عامة، ما يعني أن المرشد تعمد تعيين أحد أشد خصوم روحاني والمعتدلين في تلك المؤسسة التي تمارس نفوذاً ودوراً بارزاً على الساحة الداخلية. وقام علي خامنئي أيضا في 28 يونيو 2016، بتعيين اللواء محمد باقري رئيساً جديداً لهيئة الأركان العسكرية في القوات المسلحة الإيرانية خلفا للواء حسن فيروز أبادي، وعلى الرغم من أن اتجاهات عديدة أشارت إلى أن ذلك يعود إلى فشل الأخير في التعامل مع الاحتجاجات التي شهدتها المناطق التي تقطنها الأقلية الكردية، فإن ذلك لا يبدو أنه يتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تشير إلى أن تغيير فيروز أبادي في تلك الفترة ربما يعود إلى اعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في المشاكل الصحية التي يعانيها، والتي بدأت تؤثر على قدرته على القيام بمهام منصبه. وينصرف ثانيهما إلى قربه من الرئيس حسن روحاني، حيث كان أول القادة العسكريين الذين رحبوا بالوصول إلى الاتفاق النووي مع إيران بشكل يبدو أنه أثار استياء القيادة العليا في إيران ممثلة في المرشد، إلى جانب الحرس الثوري، الذي وجه انتقادات قوية ضد الاتفاق باعتبار أنه لا يتضمن مكاسب ومزايا كثيرة لإيران مقابل التنازلات الكبيرة التي قدمتها. على ضوء ذلك، فالمرحلة القادمة ستشهد تصعيدا لافتاً من جانب النظام الإيراني على الساحتين الداخلية والخارجية، إذ ربما يتجه النظام إلى فرض قيود على رموز تيار المعتدلين وممارسة مزيد من الضغوط على حكومة روحاني لمنعه من فتح الملفات الخلافية البارزة التي وعد بتسويتها قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعلى رأسها رفع الإقامة الجبرية عن موسوي وكروبي. ويتوقع من جهة ثانية، أن يعمد النظام إلى التدخل في الاتفاقات الاقتصادية التي تبرمها إيران مع بعض القوى والشركات الدولية، بشكل قد يؤدي إلى وضع مزيد من العقبات أمام تنفيذ تلك الاتفاقات، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تراجع التداعيات الإيجابية التي كانت متوقعة من الوصول لاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، الأمر الذي سيضع روحاني ووفد التفاوض النووي بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف أمام اختبارات صعبة في الفترة القادمة. وعلى الساحة الخارجية، ستتجه إيران إلى اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة في مواجهة القوى الدولية والإقليمية، إذ ستواصل على الأرجح إجراء تجارب جديدة على إطلاق صواريخ باليستية، في تحد واضح للضغوط التي تفرضها القوى الدولية على إيران في هذا السياق كما ستصعد من تدخلها فى الأزمات الإقليمية المختلفة. ويتوقع ايضاً أن تلقي إيران مزيداً من الضوء على دورها في الحرب ضد تنظيم داعش في شمال العراق خاصة فى معركة الموصل المرتقبة، كما ستواصل دعمها للنظام السوري لاسيما فى معركة حلب، وستستمر فى محاولاتها تقديم مساعدات عسكرية لحركة الحوثيين فى اليمن، خاصة بعد توقيع الاتفاق الأخير بتشكيل مجلس سياسي بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح لإدارة اليمن. خلاصة القول، ان الخطوات الاخيرة التي اتخذها النظام الإيراني لتمكين حلفائه من السيطرة على المؤسسات المؤثرة والنافذة لن تفرض تداعيات مباشرة على التوانات الداخلية فسحب، بل ستؤثر ايضاً الأزمات الإقليمية، خاصة أن إيران تسعي فى الفترة الحالية إلى الرد على الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها بتوسيع نطاق دورها وتدخلها في تلك الأزمات. أحمد جنتي علي لاريجاني حسن روحاني

مشاركة :