مستقبل تركيا يحدده صراع أردوغان وغولن

  • 8/4/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

حملت أحداث تركيا العاصفة، إما تأكيد أوضاع استقرت، أو تأكيد أوضاع باتت محل صراع. فأردوغان الذي تمترس بالديموقراطية والإنجاز الاقتصادي، بات كقوة فاعلة في الداخل التركي أكثر شراسة في التعامل مع خصومه مع فرصة سانحة أتاحت له تثبيت أقدامه داخل أجهزة الدولة التركية، لكنه أيضاً بات تحت ضغط صراع لم يتحسب له جيداً. فللمرة الأولى ينتقل الصراع بين الجيش التركي والإسلاميين، على السلطة، إلى صراع بين الإسلاميين أنفسهم، بلَغ حدَّ تهديد سلامة الوطن، من أجل الانفراد بالسلطة. المفارقة أن الصراع هنا هو بين منهجين لتيارين يعتمدان على الإسلام كمرجعية. التيار الأول هو تيار رجب طيب أردوغان الذي يستمد وجوده من مقولات الإسلام السياسي وشرعية الحكم، والثاني تيار عبدالله غولن الذي رسَّخ فكرة الفعل المجتمعي للإسلام. غير أن صراع أردوغان مع تيار غولن دفع به إلى المصارعة على السلطة. وخطورة سحق أردوغان لهذا التيار بعنف تتمثَّل في تحوله مستقبلاً للعنف غير المسيطر عليه. إذ إنه في ظل الإحباط والشعور بالمرارة القاسية، من الممكن أن تتحول مجموعات المعارضة إلى مجموعات عنقودية غير مترابطة تصعب السيطرة عليها، وسيكون أردوغان والمقربون منه هدفاً لها. هذا يؤشر إلى حالة عدم استقرار قد تقود إلى صراع مسلح، سينعكس سلباً على استقرار أوروبا وروسيا والمنطقة العربية. إن تداعيات أوضاع تركيا ستقود أيضاً إلى علمانية متطرفة في مقابل تنامي تنظيم «داعش» داخل تركيا، خصوصاً بعد مساندته أردوغان. ثم إن الاقتصاد التركي بات عُرضة لهزة عميقة بخاصة في ظل انعدام الاستقرار السياسي، ما يعني فقدان أردوغان جانباً من شعبيته لدى الأتراك الذين أعطوه مساندة كاملة لمحاربته الفساد من ناحية ولإنجازه الاقتصادي الكبير من ناحية أخرى. وسيجد المتأمل للمشهد التركي في نهاية الأمر كتلة صلبة محافظة لأردوغان في المدن الصغيرة والريف تسانده لأسباب أصولية إسلامية، لكن هذه المساندة قد تهتز نسبياً في إطار صراعه مع غولن. إن ما يفسر فشل الانقلاب بصورة أو أخرى هو عدم تأييد قطاع كبير من الشعب التركي له، حتى أن رئيس حزب «الشعب الجمهوري؛ كمال قليجدار أوغلو، قال عندما سئل عن سبب عدم تأييده الانقلاب: «إن من قاموا به يخيروننا بين الطاعون والكوليرا». نعم؛ كان للجماهير التركية، دور كبير فى إجهاض هذا الانقلاب، إلا أننا لا ينبغي أن نغفل في هذا الصدد، عدم وجود شعبية حقيقية له بين قادة الأحزاب المعارضة والتي لها شعبية ضخمة في الشارع التركي، والتي لو انحازت إلى الانقلابيين لتغيَّر المشهد تماماً. فالموقف الموحَّد لأحزاب المعارضة التركية ومنذ الدقائق الأولى للانقلاب، هو ما حرَم الحركة الانقلابية من ذريعة حمايتها للديموقراطية والحياة السياسية في البلاد. في الوقت نفسه؛ استفاد أرودغان من الحضور القوي للاجئين السوريين في تركيا ووقوفهم إلى جانبه، ومعهم الكثيرون من العرب الذين يقيمون في هذا البلد، ومنهم لاجئون سياسيون. فمن اللافت عدم استخدام أرودغان فِرَق الجيش الموالية له في القضاء على الانقلاب، بل استخدم الشرطة وعناصر القوات الخاصة والاستخبارات وهي الأجهزة الأكثر ولاءً له ولحزبه. البعض قد يتعجب أيضاً من ارتفاع شعبية أردوغان بعد الانقلاب، مع أنها كانت على المحك قبل ذلك الحدث، بسبب ممارساته التي نزعت نحو التسلط وإقصاء معارضيه، بل وحتى أقرب رفاقه، وفي مقدمهم عبدالله غل، من المشهد السياسي. ويبدو أن الشعب التركي الذي تحسن مستوى معيشته جداً في السنوات الأخيرة، بات يفضل حكم الإسلاميين على حكم الأحزاب العلمانية وحكم العسكر، ومن ثم كان نزوله إلى الشوارع بهدف حماية المكتسبات الوطنية واستمرار تركيا كدولة صاعدة وواعدة في منطقة الشرق الأوسط. قد يبدو أرودغان الرابح الأكبر من فشل هذا الانقلاب، فقد خرج بمكاسب عدة، أهمها ارتفاع شعبيته، واقتناع المواطن العادي بفكرة استهداف «تركيا العدالة والتنمية»، ما سيمنحه الفرصة أخيراً لتفعيل ملف الدستور الجديد الذي سيعمل على تحويل الجمهورية التركية إلى النظام الرئاسي. غير أنه من السابق لأوانه التحدث الآن عن أن تبعات هذا الانقلاب الفاشل قد انتهت، خصوصاً لو استمر أردوغان في نهجه السلطوي. قد تكون المعارضة التركية إلى جانبه اليوم، ولكن من يعرف ما تخبئه الأيام، خصوصاً أن هناك طرحاً يقول إن المعارضة التركية كانت تنظر إلى ما يجرى في تركيا من منطلق أنه صراع بين قوتين إسلاميتين معسكر غولن ومعسكر أرودغان، وأنها ستنتظر قدرة إحداهما على تدمير الأخرى. والتي تنجو، سيكون من السهل القضاء عليها بعد ذلك. * كاتب مصري

مشاركة :