في يومٍ تقليدي طبيعي التفاصيل وانا في طريق العودة الى عمّان بعد ان انهينا يومنا ومهامنا في خدمة اللاجئين، صعدت للحافلة واذ بزميلتي تهرع للجلوس بجانبي كعادتها، فالتفتت اليها وهمست في اذنها ممازحةً اياها ما هي احتمالية ان نموت اليوم على طريق الأزرق؟ ابتسمت بهدوء وكأنها معتادةٌ على السؤال فأجابت بسخرية: ربما خمسون بالمئة.. انفجرت بضحكتي المجنونة كعادتي، اخذت زاويتي واغلقت نافذتي، حيث اكره ان اتابع تفاصيل الصحراء المملة لا ذهاباً و لا اياباً، فما لبثنا ان نغمض جفوننا واذ بصوت السائق مستنجداً يطلب من الجميع ان يهرع لإنقاذ مصابين من السيارات المارّة امام حافلتنا والتي قد غدرها هذا الطريق القاسي الملامح حيث تلعثمت بقدرها المكتوب الغير مرجو، لم أكد ان افتح تلك النافذة المشؤومة لولا ان ضجّت الحافلةِ بأصوات الموظفين و دعواتهم ان ينجو الأطفال العالقين بين موتٍ يقرع الأجراس و انين امهاتهم و هي تستنجد الحياة.. لم ادرك يوماً انني فرشت حلمي الصغير على طريق عابس مشؤوم غير معبّد حتى للموت هذا الطريق الطويل بلا جدوى الذي سرق انفاساً كثيرةٍ من المارّة و ضحكات،طريقٌ انفاس رواده معلقه بين السماء و الأرض وعلى منعطفاته احلامٌ ممزقه ربما!! كنت ولازلت متمسكه بحلمي ولا مانع لدي من ان امضي في طريقي حتى لو انه منسوج بخيوط من الكفن، فقد اجتزت كل التحديات التي تقف امامي لكي اصل الى بوابة دخول المخيّم لأقضي يومي مع اللاجئين فأقرأ افكارهم و هم على طوابير الإستلام و استمتع بالحديث اليهم كلما مرّوا بذكرياتهم.. هذا تحدٍ جميل استطعت ان احظى به عندما اطلقت العنان لحلمي و شغفي بأن اشقّ طريقي حتى لو في الصحراء.. سأخرج عن طابع الهدوء في هذا المقال محدّثةٌ اياكم عن طريق الأزرق: هذا الطريق الصحراوي الذي يمر منه ابن السعودية طالبُ العلم ليسجل في الجامعة وعائلة اردنية مقيمة في السعوديه اتت لزيارة الأقارب بعد غيابٍ طويل او سائق شاحنة يوصل ليله بنهاره ليوفّر لقمة عيشٍ لأبنائه بكرامته او عجوز متعكّز على رحمة الهية ليصل للسعودية لأداء مناسك الحج او العمرة او موظفي المنظمات الإنسانيه اللذين تحدّوا ملامح الطريق ليصلوا كل يوم الى اسوار المخيّم ليقضوا يومهم مع اللاجئين هذا الطريق روّاده متعددون متنوعون تجمعهم حدّة الطريق وقسوته وعتمته تجمعهم احتمالية العوده او الموت،هذا الطريق الذي زهقت ارواحٌ كثيرة على شرفاته، الطريق الباهظ التكاليف من الخسائر البشرية.. الى متى سيبقى مرتادوه يعيشون كابوس الذهاب و الإياب؟ فكم من منحةٍ سعوديةٍ توفّت على هذا الطريق و تحللت دون اثر؟ و كم من سنةٍ قضيت للتخطيط دون اي انجاز واقعي ملموس كفانا ان نضع العائق المادي امام انجازه وقد تم صرف ملايين الدنانير بلا جدوى ، حالة الفساد التي نعيشها هي فعلاً باهظة الثمن فالخسائر ليست مركبات و ممتلكات، الخسائر تعدت الحدود لتسرق احلامنا على هذا الطريق لتسرق بشر و ارواح بريئه الأزرق هو فعلاً مفترق الطرق بين حلمٍ صغير و بين موتٍ معلّق على ظل الحافله رغم تردّم اجزاء الطريق الصحراوي المميت وكثافة الشاحنات وعتمة الطريق لازال الفساد سيد الموقف ولازلنا نستقبل المنح ولا نعلم عنها شيء وان باشرت السلطات المعنية بالعمل ذهبت في سباتٍ عميق أو غيبوبةٍ ابديه والقدرة الإلهية تحول دون اي شيء دائماً.. في مقالي هذا رسالةٌ لأصحاب الضمير الغائب و الجيوب الممتلئة منحاً ودراهم رسالةٌ لمن يرى ولا يسمع ، يعقل ولا يفعل عسى ان تعقلوا و تتوكلوا والله ولي التوفيق
مشاركة :