في جزيرة صاخبة بالألم تجرعت أزمنة النسيان.. تفتش في زواياه عن رمق للحياة عليها.. موج هادر من الخوف يلف المكان أثقل خطوها.. تطفو سطحه حينًا وتغرق في غياهبه أحيانًا أخرى. تقدم بها العمر... وغدت تلك الصغيرة بين ليلة وضحاها زوجةً وأمًا وجدة.. كانت تجلس ملتصقة في ركن العتمة تضم رأسها بيديها المرتعشة.. الوحش يتقدم صوبها مترنحًا يحمل في يده كأس النشوة.. يتحين ساعة الانقضاض على فريسته لينهش منها اللحم والعظم.. لم يعد صوتها يحسن البكاء.. ولم يبق منه سوى أنين متقطع، وسجادة ملقاة على الأرض تزحف نحوها لتستر بها لحمًها الموسم بسياط القهر. **** فوق حافة جسر تهالكت قواعده.. كانت تقف منتظرةً طوق نجاة ينتشلها من الظلام الجاثم على عينيها، على تلك الحافة تعطل الزمن، واجتاحت دوائر الصمت المكان. بقايا من صور قديمةٍ تسكن مخيلتها.. تتقدم نحوها تعانقها.. تحادثها.. لم يجبها أحد.. استدركت أنها من تحادثهم كانت أسمال ستارة بالية.. ترتعش خوفًا ثم تعود أدراجها إلى الخلف تتلفت حولها.. لم يكن هنا سوى فضاء محقون بالوحشة، وظلام ابتلعها في جوفه. **** في حجرة ضيقة لا تحوي من وسائل الراحة سوى باب ضيق وجهته على الشارع، وجهاز تكييف احتل مكان النافذة، لم يسع أحد إلى سؤال هذا الرجل عن أحواله، وكان التعامل معه يقف عند حدود الموظف الذي يؤدي عمله المكلف كما يطلب منه. غير أن تحدثه الإنجليزية بطلاقة مع المتحدثين بها وتوجيه الملاحظات لهم لفظًا وكتابةً هو ما جعل الفضول ينتاب الكثيرين منهم للسؤال والتقصي عنه. حتى أجابهم هو بنفسه الجواب الذي كان له وقع الصاعقة... درست في أمريكا الطيران الحربي وتخرجت فيه.. وبين ليلة وضحاها أبت فوضى الظروف وصروفها إلا العبث بمستقبلي.. فتحول حلمي وآمالي إلى كابوس. لم أنطوي على حالي ولم أكن يومًا ناقمًا أو نادبًا حظي، بل كنت أنظر إلى عيون من كانوا يعلقون علي آمالهم.. والدي ووالدتي وإخوتي وأخواتي وزوجتي وصغاري. كان أمامي خياران لا ثالث لهما.. فإما أن يحاصرني اليأس ويزج بي في قاع الضياع، أو أن اتغلب عليه وأنطلق إلى خارطة طريق آخر وأرضى بما يقسمه الله لي.. هنا وجدت نفسي أعمل كما أنا... حارسًا في مدرسة للبنات. يشرق صباحي على خمس كلمات.. (قدر الله وما شاء فعل). aybkf1@yahoo.com
مشاركة :