تشهد صحراء محافظة الأنبار العراقية عملية عسكرية منذ الـ 21 من ديسمبر الماضي سميت «عملية ثأر القائد محمد»، تشارك فيها قطاعات عسكرية قتالية تابعة للفرقتين السابعة والأولى للجيش العراقي. وبشأن التوقيت والرسائل التي تنطوي عليها عملية الثأر للقائد محمد، التي أطلقها المالكي فضلا عن إنهاء الاعتصامات، لم يستبعد خبراء ومحللون عراقيون أن تنطوي تلك الإجراءات على غايات انتخابية قد يحصد ثمارها المالكي. وتزامنًا مع العمليات العسكرية، التي يشنها الجيش العراقي في صحراء الأنبار على مواقع ومخابئ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، يتجدد الحديثُ عن القدرات اللوجستية والأيديولوجية، ومصادر التمويل التي مكنت هذا التنظيم من التحرك بفاعلية في سوريا والعراق، وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية، خلال السنتين الأخيرتين، شملت مؤسسات الدولة والسلطات الأمنية في العراق، واغتيال عناصر وشخصيات سياسية وإدارية، واطلاق سراح مئات السجناء الخطرين عدة مرات. ويوضح خبراء في شؤون الجماعات المسلحة أن ظروفا عديدة ساهمت في أن تصبح «داعش» الوريثَ المتطرف والأعنف لتنظيم القاعدة في العراق، مؤكدين أن «داعش» اليوم لا تدين بالولاء إلى أيمن الظواهري كقائد لتنظيم القاعدة، وانها تبنت سياسة هي الأكثر عنفا ودموية، تحركها أيديولوجية متعصبة وأنها تريد أن تصبح قوة مماثلة للقاعدة. استثمرت «داعش» انطلاق اعتصامات الأنبار العراقية وبعض المحافظات الأخرى قبل نحو سنة على الأقل، لاستعادة بعض حواضنها، وساعد في ذلك تعامل الحكومة مع الاعتصامات، ما تسبب في شرخٍ بين جمهور المحافظات ذات الأغلبية السنية والدولة، استثمرته الجماعات المسلحة. كما أن المواجهة والصدام الذي وقع في ساحة الاعتصام بالحويجة والذي ساهم في توتر الأوضاع في عدد من المناطق السنية، مهّد لقيام داعش بعدد من العمليات النوعية. كما يعد من عوامل اتساع حضور تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق ذات الغالبية السنية، وانفتاح أهدافه حيث اعتبر ما يسمى بالممارسات الطائفية للحكومة، العدو الرئيس، وقد اتسعت قائمة الأهداف بعدئذ لتشمل السنّة المتعاونين مع الحكومة، الذين اعتبرهم تنظيم القاعدة، مرتدين، يستحقون العقاب الشديد. وتعتبر عناصر ما يسمى بأسود الأنبار، ضمن مصادر التمويل المادي واللوجستي لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على وجه الخصوص، فضلًا عن أموال تعود للدولة جرى توظيفها بشكل ما لتمويل القاعدة، كما عُرف عن السيطرة على بعض موارد مصفاة بيجي النفطية التي ساهمت في إدامة احتياجات القاعدة في منطقة شمال محافظة صلاح الدين. ويخشى مراقبون من التلميحات التي وردت بشأن سعي تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) لاقتطاع الأنبار وضمها لمناطق نفوذها في شرق سوريا، لكن البعض لا يعتقد أن هذا الهدف واضح في أجندة «داعش» التي تسيطر على مساحات شاسعة من صحراء سوريا الشرقية، وبذلك فهي ليست بحاجة لاكتساب مساحات جديدة يصعب السيطرة عليها وحمايتها، ولعل العمليات العسكرية الأخيرة للجيش العراقي كشفت إمكانية الوصول إلى مكامن مقاتلي «داعش» ومخابئهم بسهولة بالاستعانة بالتقنيات المتطورة التي توفرت للجيش العراقي وصور الأقمار الاصطناعية.
مشاركة :