يؤكد فريق من العلماء في جامعة هارفارد أنه ابتكر ورقة حيوية-إلكترونية، وهي نظام يستطيع استخدام الطاقة الشمسية والبكتيريا التي تلتهم الهدروجين بغية توليد وقود سائل. وتقدّم هذه الاكتشافات، التي نُشرت في مجلة “العلوم”، مساراً بديلاً لإنتاج وقود شمسي لا يولد الكربون. تمثّل هذه الورقة الحيوية-الإلكترونية، التي تتألف في جزء منها من ميكروب وفي الجزء الآخر من آلة، تحسّناً مضاعفاً مقارنة بالنسخة السابقة التي قدمها الباحثون، فضلاً عن أن من الممكن استخدامها للحصول على شتى المنتجات من طلائع البلاستيك الحيوي إلى الوقود. يوضح بيدونغ يانغ، عالِم كيمياء من جامعة كاليفورنيا في بيركلي حائز جائزة ماكارثر “للعباقرة” لم يشارك في هذا البحث، في رسالة إلكترونية: “هذا العمل بالغ الأهمية... فلا يضاهي أي نظام آخر يحد من ثاني أكسيد الكربون هذا النظام فاعلية. بالإضافة إلى ذلك، تشكّل القدرة على تحقيق ذلك رغم الضغط المنخفض ونسب الأكسجين العالية تقدماً مهماً آخر”. لا شك في أن احتراق الوقود الأحفوري عملية وسخة: تسحب الهيدروكربون المخزَّن بأمان في الأرض وتطلق ثاني أكسيد الكربون في الهواء، محررةً بالتالي جزيئاً يساهم في ارتفاع درجات الحرارة العالمية ودرجة حموضة مياه المحيطات. نتيجة لذلك، يُعتبر التوصل إلى نظام طاقة لا ينتج الكربون ويعتمد بالكامل على وقود نظيف أو على الأقل نظام لا ينتج الكربون ويعيد تدوير هذه المادة في الهواء بالغ الأهمية في العقود المقبلة، وفق العلماء. لطالما اعتُبرت الطاقة المتجددة (مثل الطاقة التي يمكننا أن نستمدها من الشمس باستخدام ألواح شمسية فولتية ضوئية) الحل لاعتمادنا المفرط على الوقود الأحفوري. لكننا لا نستطيع الاعتماد على هذه الأنظمة بالكامل. فلا يتوافر نور الشمس إلا خلال النهار (أو بالأحرى خلال النهار في الأيام التي تكون فيها السماء صافية). ومن هؤلاء الباحثين دانيال نوسيرا، عالم كيمياء في هارفارد شارك في هذه الدراسة. فقد طوّر نوسيرا ما صار يُعرف بـ”الورقة الاصطناعية”: رقاقة شبه موصلة مطلية بمحفز يمكن إنزالها في الماء وإنتاج غاز الهدروجين. لكن هذه الأنظمة لم تنجح بعد في منافسة الوقود الأحفوري على الصعيد التجاري، فضلاً عن أنها تفتقر إلى عملية التصنيع الكبيرة التي تتيح التحكم فيها وتخزينها. لذلك، حاول بعض العلماء إنتاج الهيدروكربون باستخدام الماء، نور الشمس، وثاني أكسيد الكربون. ولكن اتضح أن هذه الطريقة تشكّل تحدياً بالغ التعقيد. إلا أن الخلايا الحية تبرع في التلاعب بجزيئات الكربون. لذلك قرر نوسيرا وباميلا سيلفر، عالمة أحياء متخصصة في الأنظمة في جامعة هارفارد، أن يستغلاها. فاستخدما الكهرباء ليشطرا الماء وأطعما غاز الهيدروجين الناتج إلى بكتيريا تُدعى رولستونيا يوتروفا تستعمل الهدروجين وثاني أكسيد الكربون لتوليد كتلة حيوية. لكن هذين العالمَين أخذا أيضاً بعضاً من هذه البكتيريا وبدلا عدداً من جيناتها الأساسية كي تتمكن هذه البكتيريا من إنتاج كحول الإيزوبروبانول. وباستخدام هذا النظام، أنتجا أيضاً الإيزوبوتانول، الإيزوبنتانول، والبوليهيدروكسيبوتيرات (أحد طلائع البلاستيك الحيوي). وقد نجحا في ذلك بمعدلات فاعلية تُقارب فاعلية الـ10 % المتوقعة (كذلك، تمتص الورقة الحيوية-الإلكترونية ثاني أكسيد الكربون من الهواء بمعدل 180 غراماً في الكيلوات-ساعة). لكن هذا أفضل بالتأكيد من نسبة الواحد في المئة تقريباً التي تحققها الورقة الحيوية-الإلكترونية الأصلية التي وصفها العالمان في Proceedings of National Academy of Sciences السنة الماضية. ففي النسخة الأولى، استخدما خليطاً معدنياً من النيكل، الموليبدينوم، والزنك كمحفز لإنتاج غاز الهيدروجين. إلا أن هذه العملية أدت أيضاً إلى إنتاج عدد كبير من أنواع الأكسجين التفاعلية، وهي جزيئات سامة تقتل البكتيريا. نتيجة لذلك، اضطر العالمان إلى استعمال فولتية أعلى، ما حد بالتالي من فاعلية النظام. وقف هذان العالمان حائرَين أمام هذه المشكلة، فقررا اختبار مركّبات مختلفة (يخبر نوسيرا: “ظللنا نعبث طوال ثمانية أشهر”). وهكذا توصلا أخيراً إلى محفز مختلف: خليط معدني من الكوبالت والفسفور يسمح بتوليد الغاز من دون إنتاج أطنان من تلك الجزيئات التفاعلية. وفي هذه البيئة المؤاتية، ازدهرت البكتيريا. فسمح لهما ذلك باستخدام فولتية أدنى وتحسين فاعلية النظام. طوّر العالمان أيضاً سلالة من البكتيريا تستطيع مقاومة جزيئات الأكسجين التفاعلية تلك. إلا أن ذلك لم يكن له تأثير كبير في نظامهما لأنهما عثرا على محفز أفضل. لكنه قد يعود بفائدة على فرق أخرى تود العمل على أنظمة تستند إلى ميكروبات من دون قلق حيال تلك المواد الكيماوية السامة، وفق نوسيرا. يؤكد هذان الباحثان أن المميز في هذا النظام أنك لا تحتاج إلى زراعة أي محصول لتنتج وقوداً حيوياً. وهكذا نجحا في تفادي بعض الانتقادات التي توجَّه إلى الوقود الحيوي التقليدي، مثل الإثانول. يشير جون ترنر، باحث في مجال الوقود الشمسي في مختبر الطاقة المتجددة في غولدن بكولورادو لم يشارك في هذا البحث، في رسالة إلكترونية: “انطباعي الأول أنهما أحسنا صنيعاً وأتقنا تطبيق المبادئ العلمية”. لكن هذا الباحث يستدرك موضحاً أننا لم نتأكد بعد مما إذا كانت أجهزة مماثلة “قادرة على منافسة المسارات التجارية التي تستطيع استهلاك ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين لتولّد منتجات مختلفة”. قابل للتخزين أراد الباحثون تحويل طاقة الضوء إلى وقود قابل للتخزين، تماماً كما تحوِّل النباتات الطاقة إلى سكريات. وتشمل عادةً هذه العملية، التي تُدعى التخليق الضوئي الاصطناعي، استخدام الكهرباء من خلية شمسية لشطر الماء إلى غازَي هيدروجين وأكسجين. فيُجمع الهيدروجين، وعندما يحترق في مواضع مثل محرك السيارة، لا ينتج عنه سوى الماء. إنتاج السكر تشبه هذه العملية بطرق عدة عملية التخليق الضوئي الطبيعي، التي لا تكتفي بشطر الماء، بل تمتص أيضاً ثاني أكسيد الكربون من الهواء لإنتاج السكريات، وفق نوسيرا. يضيف: “يقدّم هذا البحث كامل التفاصيل الضرورية لما أدعوه عملية التخليق الضوئي الاصطناعي الحقيقية”. حتى اليوم، كان العلماء يستخدمون الكهرباء من المقبس في الجدار. ولكن من الضروري أن يعمل النظام بالفاعلية عينها عندما يوصل بالأجهزة الفولتية الضوئية القائمة، حسبما يوضح نوسيرا. الخطوة التالية لذلك يشدد نوسيرا على أن الخطوة التالية تشمل محاولة استعمال هذه العملية لإنتاج مواد كيماوية ترتكز على النيتروجين يمكن استخدامها في الأسمدة. يقول: “تابعوا أخبارنا لأننا بام وأنا نعمل على تثبيت النيتروجين تماماً كما عملنا على شطر الماء”.
مشاركة :