معركة كسر العظم في حلب

  • 8/8/2016
  • 00:00
  • 32
  • 0
  • 0
news-picture

معركة حلب، التي أطلقتها قوى الثورة السورية، ليست مجرد معركة عادية، بل هي المفصل في مسيرة الثورة السورية منذ قيامها. وأهمية معركة حلب تكمن في أنه لو تم خسارة ثوار سوريا لمدينة حلب الاستراتيجية، فلن تتوقف انعكاسات الهزيمة على الثورة والسوريين عمومًا، بل سوف تطال المنطقة بكاملها. من جهته كشف العسكري والاستراتيجي السوري العميد الركن أحمد رحال عن المعركة، عندما قال: «إن هناك ثلاث مفاجآت حدثت في فك الحصار عن مدينة حلب، وهي انهيار دفاعات مرتزقة النظام، وفقدان السيطرة والقيادة بالنسبة لها، ثم أطفال حلب الذين أحرقوا الإطارات مما شكل ستارة دخان حول المدينة، دفعت الطيران الروسي إلى تقليل عمليات قصفه لها». لقد تخلى العالم عن الثورة السورية منذ قيامها، بما فيه أميركا، وسبب ذلك أن أميركا لديها عقدة الجماعات المقاتلة، وحتى تلك الجماعات التي ليس لها علاقة بالإرهاب، وهذا ما جعل أميركا حذرة في التعامل مع الثورة السورية منذ قيامها. ولقد انتقدت افتتاحية صحيفة «فايننشيال تايمز» صمت الولايات المتحدة، وعدم فاعليتها في مواجهة جرائم الحرب وعما يجري في حلب، والذي وصفته بأنه مثير للصدمة، واعتبرت افتقار قادتها وقادة أوروبا للمبادرة نوعًا من الرضوخ. وترى الصحيفة أنه إذا ما سقط شرق حلب في قبضة الأسد، فستحرم قوات المعارضة المعتدلة من آخر «معقل استراتيجي لها»، ويحتمل أن يطلق ذلك مرحلة نهائية مريرة للثورة التي بدأت عام 2011. وتقول إنه في مواجهة هذا الاحتمال شن تحالف يضم آلاف المقاتلين، بما في ذلك القوات المعتدلة والمتشددة، هجومًا مضادًا أدى إلى فك الحصار عن المدينة من عدة جهات، وأهمية هذا النصر يرجع لسببين: أولهما تحالف قوى الثورة وتوحدها تحت راية واحدة، وتقسيم الأدوار فيما بينهم، وثانيًا الروح المعنوية العالية التي تمتع بها الثوار في القتال؛ لأنه لم يكن هناك بديل للنصر في هذه المعركة. إن حسم المعركة في مدة قصيرة خلال أيام، يعطي مؤشرًا على أن الثورة لم تفقد مقوماتها، ولذا حقق هذا النصر مكاسب للثورة، منها أنها أثبتت أنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه في أي محادثات سياسية، وكذلك حققت مكسبًا استراتيجيًا في أنها فتحت الممرات التي من خلالها تتواصل مع الجهات المساندة لها من الداخل أو من الخارج، وبذلك أصبحت الثورة في موقف قوي، وانتقلت من حيّز الدفاع عن النفس إلى موقع المبادرة الهجومية. وعليه، يجوز النظر لمعركة حلب على أنها في حد ذاتها حققت مكاسب معنوية للثوار والشعب السوري والعربي، وأهم من ذلك أن هذه الثورة السورية لم يعد ينظر إليها على أنها خاصة بالشعب السوري، إنما هي ثورة تهم كل عربي؛ لأنها تواجه تحالفًا إقليميًا من طبيعة مذهبية فجة، يعمل تحت غطاء جوي لإحدى أكبر القوى العسكرية في العالم، تحالفًا يضم روسيا وإيران والميليشيات الشيعية، وبالتالي فالخطر لن يتوقف عند سوريا وحدودها، إنما سوف يمتد إذا ما انهزمت هذه الثورة، لا سمح الله، إلى كل الدول العربية، وبالتالي فهي ثورة عربية بامتياز. وليس من المبالغة القول إن على نتائج معركة حلب، الدائرة في إطار أوسع من رقعة المدينة، كما سبق ذكره، سيتوقف مستقبل هذه المنطقة التي تتحارب فيها كل الملل والنحل والأعراق، وتتقابل فيها الهواجس، لتقرير الأحجام والأوزان، ورسم الخطوط الحمر، وتحديد مطارح النفوذ والمصالح، الأمر الذي يثقل بشدة على أكتاف صانعي هذه الملحمة، ويرقى بهم إلى منزلة من حققوا نقطة تحوّل، صنعوا تاريخًا، كثيرًا ما كانت فيه مدينة بعينها تنوب عن الأمة، وفق ما ترويه لنا كتب التاريخ القديم، في زمن الغزو المغولي، وسني الحروب الصليبية، وعهد الاستعمار الأوروبي.

مشاركة :