إسطنبول: «الشرق الأوسط» وجهت انتقادات شديدة أمس الخميس لتركيا التي اعتمدت قانونا يعزز الرقابة على الإنترنت ويرى فيه المراقبون انحرافا نحو الاستبداد في هذه الدولة الطامحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي بروكسل عبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه، داعيا تركيا إلى مراجعة القانون بشكل يتطابق مع معايير الاتحاد. وكان البرلمان التركي الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية تبنى مساء أول من أمس سلسلة تعديلات تعزز سلطات الهيئة الحكومية للاتصالات التي أصبح بإمكانها أن تحجب، دون قرار قضائي، موقع إنترنت فور تضمنه معلومات «تمس بالحياة الخاصة» أو أخرى تعد «مهينة أو تمييزية». والتحرك هو الأخير ضمن مبادرات مثيرة للجدل لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الذي حاول إخضاع القضاء والشرطة بهدف احتواء فضيحة فساد كبرى تهز أعلى هرم السلطة. كما يتيح القانون الجديد للهيئة الحكومية للاتصالات أن تطلب من شركات الإنترنت الوصول إلى معلومات تعود لسنتين من المواقع التي يزورها أي شخص وكذلك تخزينها. ونددت المعارضة بشدة بهذه «الرقابة» التي يفرضها هذا القانون الجديد الذي تقدمت به الحكومة الإسلامية المحافظة برئاسة رجب طيب إردوغان الذي يتولى السلطة منذ عام 2002. ويتمتع حزب العدالة والتنمية بالأغلبية المطلقة في البرلمان التركي، أي بـ319 مقعدا من أصل 550. وقال النائب فاروق لوغوغلو من الحزب المعارض «حزب الشعب الجمهوري» لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه التدابير «تشكل طريقة لترهيب الناس وللقول لهم إن هناك من يراقبهم باستمرار»، وأضاف: «إنها طريقة لخنق» التحقيق حول فضيحة الفساد التي تشهدها البلاد. وعدّ وزير الاتصالات التركي لطفي الوان هذه الإدانات «ظالمة». وقال أمام الصحافيين إن «ما نريد القيام به هو الرد في أسرع وقت على شكاوى شخص يقول إنه ضحية انتهاك خصوصيته، من دون المرور بالعديد من الإجراءات البيروقراطية». وفي بروكسل، قال بيتر ستانو، الناطق باسم المفوض الأوروبي لتوسيع الاتحاد ستيفان فولي، إن «هذا القانون يثير قلقا كبيرا هنا» لأنه يفرض «قيودا على حرية التعبير»، وأضاف أمام الصحافيين أن «الرأي العام التركي يستحق مزيدا من المعلومات والشفافية وليس مزيدا من القيود». وأكد أنه تجب «مراجعة القانون بموجب معايير الاتحاد الأوروبي» لأن «تركيا دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي». وأوضح: «لقد قلنا ذلك عدة مرات في أنقرة، ونحن مستعدون للتعاون» في هذا المجال. وكان الاتحاد الأوروبي وكذلك الولايات المتحدة ومنظمات غير حكومية تركية ودولية كثفت في الأيام الماضية التحذيرات لأنقرة من اعتماد هذا النص الجديد. وحذرت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من أن هذه القيود «ستؤثر بشكل كبير على حرية التعبير والصحافة الاستقصائية وحماية الصحافيين والاطلاع على معلومات على الإنترنت». وقالت منظمة «مراسلون بلا حدود» إن هذا النص «يرمي إلى تعزيز الرقابة على شبكة الإنترنت ومراقبة الحكومة للشبكة العنكبوتية ومراقبة المواطنين». وعدّ رئيس نقابة المحامين القاضي متين فيزياوغلو أن «هذا الأمر قد يؤثر على التصنيف الديمقراطي لتركيا». وقال يمان أكدنيز، أستاذ الحقوق بجامعة بيلغي الخاصة في إسطنبول إن «تركيا تخطو خطوة جديدة على طريق المراقبة الجماعية لمستخدمي الإنترنت». ورأى أن هذه القيود ستترك «آثارا قوية» في بلد يعد فيه «فيس بوك» و«تويتر» منبرين للنقاش السياسي أكثر من أنهما وسيلتان للتواصل الاجتماعي. وقللت الحكومة التركية الإسلامية المحافظة التي وصلت إلى سدة الحكم في 2002 من شأن هذه المخاوف. وقال نائب رئيس الوزراء بولند أرينج الاثنين: «لا رقابة على الإنترنت. لدينا حرية أكبر من العديد من الدول الأخرى، ونحترم حرية الصحافة». وإردوغان الذي يحكم تركيا منذ 11 عاما يشكك جدا في الإنترنت، ويعد «(تويتر) مسببا للشغب» لأنه ساهم في تنظيم مظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد ضد الحكومة في يونيو (حزيران) الماضي، قتل خلالها ستة أشخاص.. لكن الرئيس التركي عبد الله غل يُعَدّ من مشجعي استخدام الإنترنت. وماضي تركيا في مجال الرقابة معروف، فبين 2008 و2010 جرى حظر موقع «يوتيوب» بعد نشر صور تظهر مشجعين يونانيين لكرة القدم يسخرون من الأتراك.
مشاركة :