علاء الدين محمود في رواية حفلة التفاهة أو صخب اللا معنى، يستدعي ميلان كونديرا ستالين، فالرواية هي حفل محاكمة بهيج، أسس وأقيم على شرف التفاهة، وكان ستالين هو نجم ذلك الحفل، فكان استدعاؤه في سياق العبث الذي ألم بالعالم، في لحظة تحطم الآمال والأفكار الكبيرة، وإفراغها من محتواها لصالح سيادة التفاهة والعبث، وبسخرية لاذعة يحاكم كونديرا تلك المواقف، بتكثيف فلسفي في استعراض المواقف والأفكار، السخرية تطال حتى الأفكار الفلسفية الخلاصية الكبيرة، إذ يقول كونديرا: أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام، لم يكن ثمة سوى مقاومة وحيدة ممكنة: ألا نأخذه على محمل الجد. العبارة تلك كأنها تقف في سقف آراء كونديرا الفلسفية، وكأنها تتويج لها، فالرواية هي الأخيرة للروائي والفيلسوف كونديرا. في حفلة التفاهة، يصبح ستالين موضوعاً للضحك، أكاذيبه في مجالسه الخاصة، و كيف أنه حول الأفكار لتفاهة ماثلة، على نحو فلسفة شبنهاور، فستالين يصرخ في رفاقه: أيها الرفاق إن فكرة شوبنهاور العظيمة، هي أن العالم ليس إلا تصوراً وإرادة. هذا يعني أنه ليس ثمة وراء العالم كما نراه أي شيء موضوعي، ولاالشيء بذاته كما يقول كانط، وإنه لإيجاد هذا التصور وجعله واقعياً، لابد أن تمتلك إرادة فيه، إرادة عظيمة لفرضها، عليه. فجنون العظمة الذي تملك ستالين جعله يظن أنه تمثل تلك المقولة. وكذلك تحكي الرواية قصة ستالين مع أربعة وعشرون طيراً من الحجل، إذ تقول إن ستالين ذهب إلى الصيد وشاهد أمامه أربعة وعشرين طيراً من الحجل جاثمة لكن يا لسوء الحظ! لم يأخذ معه إلا اثنتي عشرة طلقة! يطلق النار عليها، فيقتل منها اثني عشر طيراً، ثم يعود نحو منزله ويأخذ مجدداً اثنتي عشرة طلقة ليجد نفسه أمام طيور الحجل لم تزل جاثمة على الغصن ذاته. القصة تثير الضحك والدهشة، فاكتمال القصة ومفارقتها الحقيقية ليست في ثبات الطير على الغصن، بل في تصديق الرفاق لها في حضرته، ولجدلهم حولها بعيداً عنه، ألا تشبه تلك القصة قصص كل الطغاة، أو قصص كل العميان بفعل الإيديولوجيا. ويبرز عبث ستالين الكبير في قصته مع رئيس مجلس السوفييت الأعلى كالينين كثير التبول، وقد أطلق ستالين اسمه على المدينة البروسية كوينغسبرك فأصبحت بعد الحرب العالمية الثانية كالينينغراد، كالينين الذي - كما تورد الرواية - يعاني من تورم في البروستات يجبره على التبول في أغلب الأحيان، لكن الرجل يحبس بوله في حضور ستالين، فكان إطلاق اسمه على المدينة مكافأة على الوفاء! فأي عبث هذا؟! هو اللا معنى الذي قصده كونديرا. alaamhud33@gmail.com
مشاركة :