يسند غسان الإمام أسباب نجاح إردوغان إلى تواضعه واختلاطه بالشعب، ووعيه بألم فقر أسرته الريفية المتواضعة الذي جعله لصيقا بالفقراء والبسطاء، حتى في مواكبه الرسمية يجد الوقت الكافي ليجالس إنسانا في الشارع يتناول معه كوبا من الشاي. دافع الكاتب المعروف غسان الإمام في الشرق الأوسط 19/ 7/ 2016 عن الرئيس التركي ساخرا من ناقديه تحت عنوان "خيبة الشامتين بإردوغان"، موجها نقده القاسي للتجربة العربية مقارنة بما أنجزه الأتراك. نجح الأتراك في تحرير وطنهم بعد الحرب العالمية الأولى فيما أخفق العرب، وتسلط عليهم الاستعمار الأوروبي وصهاينة إسرائيل، والسبب كما يرى الكاتب أن العرب "لم يكونوا على استعداد للتضحية بالروح والدم، كما فعل الأتراك الذين قضوا على الميليشيات اليونانية، ثم انقضوا على خنادق الإنكليز في غاليبولي، أصبح مصطفى كمال أباً للأتراك "أتاتورك"، وعكف على بناء تركيا كدولة حديثة فأصاب وأخطأ، الجيش اعتبر نفسه حارسا للعلمانية وقام بسلسلة انقلابات على مدى أربعين عاما. أعدم في أولها رئيس الحكومة عدنان مندريس بتهمة الفساد 1960، وأقصى في آخرها حزب الرفاه الإسلامي الذي يقوده نجم الدين أربكان عن الحكم 1997". من أسباب نجاح إردوغان، يقول الإمام، تواضعه واختلاطه بالشعب، فقد "وعى إردوغان ألم فقر أسرته الريفية المتواضعة، فظل لصيقا بالفقراء والبسطاء، حتى في مواكبه الرسمية يجد الوقت الكافي ليجالس إنسانا في الشارع يتناول معه كوبا من الشاي". الكاتب غسان الإمام مضى معددا حسنات إردوغان متغاضيا عن شكاوى معارضيه ونقدهم لانفعاليته وتسلطه وروحه الانتقامية، وقال مشيدا بالرئيس التركي: "حقق إردوغان استقرارا في تركيا، فاجتذب استثمارات عربية وغربية وكانت دراسته الجامعية للاقتصاد سببا لاهتمامه بالتنمية، وبالمشروع الاقتصادي الحر، ووجدت الشركات التركية العمل والربح عند الجيران، بدءا من إيران، وكردستان، والعراق، وسورية، والأردن وصولا إلى دول الخليج. نزاهة إردوغان ضمنت للمشروع الاقتصادي الحر ثقة المستثمرين العرب والأجانب بالكفاءة التركية الجادة في العمل، أما في عمله السياسي فقد تميز إردوغان بقدرة فائقة على المناورة والمبادرة، وعقد التحالفات السريعة وتفكيكها بسرعة أكبر. وكان أهم هذه التحالفات مع الداعية الغامض فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، ويملك نفوذا في القضاء والجيش في تركيا، وربما علاقة "أمنية" مع أميركا لكن إردوغان اختلف معه، وفي المحاولة الانقلابية الأخيرة، اتهمه بأنه كان وراءها". وظف إردوغان خططه وسياساته كذلك لأن تخدم طموحاته العثمانية باعتماده النظام الرئاسي "وبإرادته الصلبة تمكن إردوغان من تحييد الجيش الكمالي، ومنعه من التدخل في الحياة السياسية وتهديد الديمقراطية، وبفن المداهنة السياسية أوصل إلى قمة القيادة العسكرية ضباطا أكثر اعتدالا، وأقل طموحا، وأوسع تجاوبا وقبولا لزعامته وسياساته، وبعد فشل الانقلاب الراهن سيكون إردوغان أكثر قدرة على تصفية الجنرالات الكماليين والقوميين المتعصبين، وإعادة بناء القوات المسلحة كجيش محايد سياسيا، تماما كما الجيوش الغربية الخاضعة للقيادات المدنية المنتخبة شعبيا". بعكس الكاتب غسان الإمام نظرت الكاتبة السعودية د. أمل الهزاني بارتياب إلى نهج إردوغان الشعبوي ومآل مثل هذه السياسة: "شخصيا، لا أعتقد أن التعويل على "الشعبوبة" يمكن أن يرسخ لأرضية صلبة لحكم رشيد، فالجماهير تتقلب، تموج، ترتفع وتنخفض، لا يمكن الركون إلى عاطفة الجماهير المتقلبة لا داخل الحدود ولا خارجها، لأنها سهلة التشكل من جديد وفق معطيات جديدة تؤثر فيها. وبالنسبة إلى تركيا فهي من أكثر دول المنطقة تعرضا للضغوط الداخلية والخارجية، التي تنعكس مباشرة على وضعها الأمني والاقتصادي الداخلي مما يمس حياة الناس واستقرار أحوالهم، وسياسات إردوغان خلال الأعوام القليلة الماضية أكسبته المزيد من الأعداء بلا داع في كثير من الحالات، بعد أن كان يحظى بعلاقات جيدة مع الغرب والعرب". ما الأجندة الخفية للرئيس التركي إردوغان؟ وإلى أين ستقوده سياساته؟ تقول د. الهزاني: "أعتقد أن إردوغان متوجه بلا تردد من كل الأتراك إلا أصدقاءه، سيحيط نفسه بأفراد أسرته وأصدقائه الثقات من الحزب لترسية حكمه، ستكون الملفات الداخلية هي محط تركيزه، وبالمقابل سنشهد المزيد من التنازلات في الملفات الخارجية: تسويات مع الروس بخصوص سورية، وتعاون لا محدود مع واشنطن في الحرب على "داعش"، وتغاض عن التحرك الكردي في شمال سورية، وتعميق العلاقة أكثر مع إسرائيل، وتنازلات كبرى في قضية اللاجئين السوريين لمصلحة دول الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الإيرانيين، غالبا سيقدم إردوغان تنازلات وتسويات كبيرة للخارج مقابل إطلاق يده في الداخل، في هذه الحالة فقط، سيكون الانقلاب قد نجح". ودرس الكاتب إلياس حرفوش في صحيفة الحياة 7/ 8/ 2016، جانبا من انفعالية الرئيس إردوغان التي أبعدت بعض كبار الحزب عن مواقع السلطة والأضواء، مثل عبدالله غول وأحمد داود أوغلو، ويتناول الكاتب اللبناني "حرفوش" هجوم إردوغان المتوالي على "العنصرية الأوروبية"، فيراه هجوما ظالما لا دليل مقنعا لدى الرئيس التركي عليها، ويقول: "رجب طيب إردوغان يتهم الغرب، هكذا في شكل عام، بدعم الانقلاب العسكري الذي فشل، ولا حجة لديه حتى الآن سوى أن الدول الغربية تدعوه إلى بعض الاتزان في رد فعله على فشل الانقلاب، وإلى تطبيق القانون وعدم أخذ الأبرياء ومن لا علاقة لهم بالانقلاب بجريرة المذنبين والمخططين، يضاف إلى ذلك عتب إردوغاني آخر على القادة الغربيين الذين لم يسارعوا إلى تطييب خاطره وتهنئته بالنجاة والسلامة". إن الرئيس التركي في تحليل الكاتب لا يدرك جيدا معنى مطالبته الدائمة بانتماء تركيا إلى مجموعة بلدان أوروبا المتقدمة، إذ لا يزال يضع رجلا في العالم الثالث والإسلامي والشرق الأوسط والزمن العثماني، ورجلا ثانية في برلين وباريس! يقول حرفوش: "عندما تتجه الدول الأوروبية اليوم إلى محاسبة تركيا على الإجراءات التي تتخذها، فهي تفعل ذلك لأنها تنظر إلى تركيا كشريك أوروبي محتمل، يمارس ما تشترطه هذه العضوية المنتظرة من حكم القانون واستقلال القضاء، والهبوط عن عرش "السلطنة" إلى مقعد القيادة العادية التي تحتمل المناسبة، وتعترف بأنها معرضة لارتكاب الخطأ، كما للقيام بأعمال الصواب". إن تركيا منذ سنوات تعتبر نفسها مؤهلة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وأنها قامت بكل ما يمهد لذلك، وعندما يُطالَب الحكم التركي باحترام هذه الأصول، يقول الكاتب "فإن هذه المطالبة هي أبعد ما تكون عن "العنصرية"، مثلما اعتبر وزير الخارجية التركي جاووش أوغلو في رده على مستشار النمسا، فقد شرح المستشار موقفه للمطالب بوقف إجراءات دخول تركيا إلى النادي الأوروبي بأنه يعود إلى الممارسات غير الديمقراطية التي أظهرها رجب طيب إردوغان في رد فعله على الانقلاب الفاشل، رد فعل شمل معاقبة ما لا يقل عن 65 ألف شخص، ولم يسلم منه أكاديميون وأطباء ومدرسون وصحافيون وموظفون عاديون في الدوائر الحكومية، فضلا طبعا عن الجيش، ووصولا في نهاية المطاف إلى حزب "العدالة والتنمية" حزب إردوغان نفسه، حيث أصبح معارضوه داخل الحزب تحت المجهر أيضا". الموقف الأوروبي خال إذاً من التحامل على تركيا وإردوغان "ولو كان موقف النمسا، أو سواها من الدول الأوروبية، "عنصريا" فعلا تجاه تركيا، لكانت اعتبرت أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية هي إجراءات "طبيعية" من دولة عالم ثالثية، وبالتالي فلا داعي لتوجيه أي انتقاد لهذه الإجراءات أو المطالبة بتصحيحها". ويضيف حرفوش في مقاله: "الأوروبيون كانوا ينتظرون من تركيا أن تكون نموذجا لحكم الإسلام السياسي المتصالح مع الديمقراطية ومع دولة القانون، غير أن إردوغان خيب آمال الأوروبيين، كما خيب آمال كثيرين غيرهم في المنطقة العربية أيضا". قارنت بعض المقالات والتحليلات بين الانقلابات العربية وانقلاب 15 يوليو التركي... وسنشير إلى بعض هذه التحليلات لاحقاً.
مشاركة :