محمد حماد قال تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولا، (الأحزاب: 37). كانت تقول عن نفسها: زوجني ربي، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم قد زوجها لمولاه زيد بن حارثة، وبقيت عنده سنين فلم تلد له، وكان إذا جرى بينه وبينها ما يجرى بين الزوجين من خلاف أدلت عليه بسؤددها، وغضت منه بولايته، فلما تكرر الأمر عزم على أن يطلقها وجاء يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعزمه على ذلك، ويشكوها إليه، وكان الله قد أوحى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سينكح زينب، وذلك هو ما في نفسه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغ في الكتمان، فكان يقول لزيد: (أمسك عليك زوجك)، وكان يخشى أن يعيب الناس عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكانوا يتحرجون من أن يتزوج الرجل زوجة دعيه، فأنزل الله يبين الأمر، ويبطل سنن الجاهلية: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً (الأحزاب: 73). زواج فريد قال ابن العربي: إنما قال - صلى الله عليه وسلم - لزيد: (أمسك عليك زوجك) اختباراً لما عنده من الرغبة فيها أو عنها، فلما أطلعه زيد على ما عنده منها من النفرة التي نشأت من تعاظمها عليه، أذن له في طلاقها، وبعد أن انقضت عدتها زوجها الله لرسوله لإبطال عادة التبني: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً) (الأحزاب: 40). ويروي أنس بن مالك فيقول: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد اذكرها عليّ، وهذا من أبلغ ما وقع في تلك القصة، أن يكون الذي كان زوجها هو الخاطب، لئلا يظن أحد أن ذلك وقع قهراً بغير رضاه، يقول زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب، أبشري، أرسل رسول الله يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل عليها بغير إذن. وكان زواجها - رضي الله عنها - بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فريدًا، بلا ولي ولا شاهد، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين، وكانت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعظم نسائك عليك حقاً أنا خيرهن منكحاً، وأكرمهن سفيراً، وأقربهن رحماً، فزوجنيك الرحمن من فوق عرشه، وكان جبريل هو السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك، وليس لك من نسائك قريبة غيري). زينب تتباهى شعرت نساء النبي بالغيرة من العروس الجديدة، وهي التي لم تخف افتخارها بما اختصها الله به، فكانت تقول لهن مباهية: (زوجكن أهلوكن، وزوجني الله من السماء)، ولم تكتم زينب غيرتها من عائشة رضي الله عنها، ولا فعلت عائشة، فقد كانت تقول: (لم تكن واحدة من نساء النبي تناصيني غير زينب)، والمعنى تنازعني وتباريني، ويروي البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له، فنزلت: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم، إلى قوله: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير. منافسة محتدمة وكانت تحتدم المنافسة بينهن حتى في حضرته - صلى الله عليه وسلم - وقد روى مسلم في صحيحه أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، تقول عائشة: وأنا ساكتة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى. قال: فأحبي هذه. قالت عائشة: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعت إلى أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي زينب بنت جحش وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حد كانت فيها، تسرع منها الفيئة، قالت: فاستأذنت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي، فاستطالت عليّ، وأنا أرقب رسول الله، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إنها ابنة أبي بكر. موقف مشهود ورغم ذلك كان لزينب موقف مشهود في حادثة الإفك، التي تناول فيها المنافقون أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بإفكهم المبين، وشهدت عائشة بموقف زينب هذا، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. عاشت أم المؤمنين زينب بنت جحش مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس سنوات، وعاشت بعده عشر سنوات، وكانت أولى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لحوقاً به، روت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأزواجه: يتبعني أطولكن يداً، فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك، حتى توفيت زينب بنت جحش، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بطول اليد الصدقة، قالت: وكانت زينب امرأة صناع اليد، فكانت تدبغ، وتخرز، وتتصدق في سبيل الله، وكانت هي أول أمهات المؤمنين وفاة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت البشرى لها، توفيت في سنة عشرين، وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ودفنت بالبقيع.
مشاركة :