صراعات الإقليم تفتش عن الممكن لكنه ليس ممكناً بعد | عبدالمنعم مصطفى

  • 8/12/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

للفنان المصري محمد منير أغنية يقول في مطلعها: «كل المفروض مرفوض.. أثبت للعالم أنك موجود»، لا أعرف كيف استدعت ذاكرتي هذا النص الغنائي، بينما كنت أتأمل المشهد الاقليمي المرتبك، فيما يتأهب أطراف الصراع السوري لمعركة يريدونها فاصلة في حلب، بينما يدخل الصراع في ليبيا طورًا جديدًا، بنزول قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية وإيطالية في ليبيا، لخوض معارك وفق أجندات مختلفة، وإن حملت عنوانًا يبدو وكأنه واحد ومتفق عليه. الإقليم مرتبك، بحسابات الخرائط الصغرى لأطراف الصراع المحليين والإقليميين معًا، بينما حَملة الخرائط الكبرى، من قوى دولية ترصد المشهد بعين الصقر، يتصارعون فوق أرضنا من أجل بسط رؤيتهم على الإقليم، ورسم خرائط نفوذ جديدة فوق أرضه. لا أحد يمكنه التكهن الان بما سيُصبِح عليه شكل منطقة الشرق الأوسط، بعد خمس سنوات من اللحظة الراهنة، ولا أحد - بما في ذلك القوى العظمى- يمكنه الادعاء بقدرته على بسط رؤيته كاملة فوق خارطة المنطقة، ولا أحد يستطيع اعادة الإقليم الى ما كان عليه قبل الغزو الامريكي للعراق في عام ٢٠٠٣. الخارطة التي عرفناها للشرق الاوسط قبل سقوط بغداد، باتت جزءًا من الماضي، أما خارطة الإقليم في اللحظة الراهنة فإنها تتحدى أعتى خبراء الخرائط أن يرسمونها أو حتى أن يستطيعوا تمييز مكوناتها. المشهد المرتبك في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا، ثم في تركيا، ينقل عدوى الارتباك الى الإقليم كله، وينقل المنطقة بأسرها، الى فضاء يغيب فيه أي يقين بشأن المستقبل. سألت صديقي وهو دبلوماسي عربي عتيد: كيف ترى المستقبل في ضوء ما يجري بمنطقتنا على الارض، وما يحدق بها من أخطار؟!.. فأجابني بدبلوماسية: السياسة هي فن الممكن، وعلى كافة الأطراف في الإقليم ان تفتش عن قواسم مشتركة، يمكن أن تساعد في استكشاف آفاق هذا الممكن. قلت له: وهل تعتقد اننا في العالم العربي نمتلك أدوات استكشاف الممكن، ناهيك عن بلوغه والإمساك بتلابيبه؟!.. هزّ الرجل رأسه في أسى، وكأنما نبهه سؤالي الى واقع لم يكن يريد الاعتراف به. قلت له: في تصوري أن محادثات الكويت بشأن اليمن، ومفاوضات جنيف بشأن سوريا، لم تبلغ اي منها غايتها، رغم حديث الأطراف طول الوقت عن استعدادهم لحلول تمسك بتلابيب الممكن، هل تعرف لماذا؟!.. لأن الممكن لم يكن بعد ممكنًا، ولأن موازين القوى على الارض لم تكن قد بلغت بعد محطة انتاج ما هو ممكن، والأهم من هذا وذاك، هو أن القوى الدولية الكبرى، لم تصل أي منها بعد إلى ما يمكن أن يدعم رؤيتها لمستقبل الإقليم. بنظر القوى العظمى، فإن المنطقة ليست فحسب مستودع الطاقة (نفط وغاز) لكنها أيضًا مستودع للأديان.. النزاع حول الطاقة يشعل الحريق، وصراع الأديان يتكفل باستدامته. وبنظر القوى العظمى التي تملك تقنيات الرؤية من الفضاء، وتحتكر من ثم القدرة على رسم الخرائط الكبرى، فإن منطقتنا تعيش خارج الزمن، أو انها تأخرت كثيرًا في اللحاق به. صراعات الإقليم لن تبلغ محطة «الممكن» قبل أن يستوعب أطرافها حقائق العصر، وأولها أن حروب التحرير قد أخلت مواقعها لحروب التحريك، وأن معارك الحسم باتت جزءًا من الماضي، فلا حرب يمكنها الان أن تنتهي بلمس الاكتاف، أو بالضربة القاضية. ثاني حقائق العصر، أن مهمة أي حرب هي بلوغ محطة السياسة، حيث يضرب الأطراف موعدًا مع ما جعلته الحرب ممكنًا. حروب الإقليم سوف تستمر على الأرجح ليس لإصرار أطرافها على تحقيق نصر كامل وحاسم، ولكن لأن أي من الأطراف المحلية، او الإقليمية، أو الدولية، لم يقتنع بعد بأن ما تحقق من نتائج في ساحات المعارك كاف لبلوغ محطة الممكن. قطار التسويات الإقليمية لن يدخل محطته النهائية قريبًا على الأرجح، والصراع قد يستمر الى أن يتمكن أطرافه من المشي عند حافة الممكن. لكن القدرة على رفض المفروض، تظل مرهونة بالقدرة على إثبات الوجود. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :