كشف بحث جديد عن بعض النتائج المثيرة للقلق عن تأثير تغير المناخ على واحدة من أكبر وأقدم بحيرات العالم. وتشير الدراسة التي نشرت يوم الاثنين الماضي في دورية «الأكاديمية القومية للعلوم» إلى أن ارتفاع درجات الحرارة مسؤول عن تراجع كبير في كمية الأسماك في بحيرة تنجانيقا الأفريقية وفي الغذاء للتجمعات السكانية المحيطة بالبحيرة، وأن هذا التقلص يتفاقم مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب. ويشير البحث إلى أن استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب على امتداد عقود عرقل عملية «الامتزاج» الحيوية في البحيرات على امتداد العالم التي تساعد في انتشار المواد المغذية والأوكسجين في المياه. وتحدث هذه العملية نمطيا حين تنزل المياه الغنية بالأوكسجين القريبة من السطح إلى أسفل -وهي عملية تساعد عليها الرياح- وتصعد المياه الغنية بالغذاء في القاع إلى السطح. المشكلة أنه حين ترتفع درجات الحرارة، فهذا يجعل المياه القريبة من السطح تسخن ولأن المياه الدافئة أقل كثافة من المياه الباردة يجعل الفارق في درجة الحرارة بين سطح وقاع البحيرة الامتزاج بين الاثنين أصعب. وحين يحدث هذا، فإن أجزاء من البحيرة لا تتلقى ما يكفي من الأوكسجين بينما لا تتلقى أجزاء أخرى ما يكفي من المواد المغذية وتعاني الأحياء البحرية في كلا المنطقين نتيجة لهذا. وهذا التأثير هو ما يعتقد فريق البحث أنه يحدث في بحيرة تنجانيقا وهي مشكلة خطيرة مع الأخذ في الاعتبار أهمية البحيرة للتجمعات السكانية القريبة منها. وتنجانيقا واحدة من بحيرات أفريقيا العظمى وثاني أكبر بحيرة مياه عذبة في العالم من حيث الحجم. وهي واحدة أيضا من أقدم البحيرات في العالم فعمرها يبلغ عشرة ملايين عام. والبحيرة تشتهر بوجود أعلى مستوي من الأجناس المحلية أو الأحياء التي لا توجد في مكان آخر من العالم. والبحيرة تقع على حدود تنزانيا وبوروندي وزامبيا والكونجو الديمقراطية. وهي مصدر حيوي للغذاء في المنطقة. ومن المعروف أن البحيرة تنتج أكثر من 200 ألف طن من السمك في العام، وتشير تقديرات إلى أنها تساهم بما يصل إلى 60 في المئة من البروتين الحيواني الذي يستهلكه البشر في المنطقة. وفي العقود الأخيرة أصبح من الواضح أن عدد الأسماك في البحيرة لم يعد كما كان. وانشغل العلماء ببحث سبب التقلص. ويفترض خبراء أن تغير المناخ لعب دورا، بينما أشار كثير من الباحثين أيضا إلى الإفراط في الصيد التجاري الذي بدأ في البحيرة منذ منتصف القرن العشرين، باعتباره من الأسباب الرئيسة. ويرى اندرو كوهين الباحث الرئيس في الدراسة والأستاذ الجامعي والخبير في دراسة تاريخ البحيرات باستخدام الرواسب في جامعة أريزونا أن الدراسة تشير إلى أن التراجع في عدد أسماك البحيرة سابق على الصيد التجاري هناك، مما يعني أن تغير المناخ كان له تأثير سلبي قبل أن يصبح الإفراط في الصيد من العوامل المؤثرة. وتوصل الباحثون إلى هذه النتيجة بأخذ عينات من رواسب البحيرة من عدة مواقع في البحيرة وحللوها. وتكشف مكونات كيميائية معينة للرواسب القديمة عن كثير من الأمور في تاريخ المناخ في المنطقة، وهي وسيلة يشيع استخدامها من علماء المناخ، ليحددوا كيف تغير المناخ في المنطقة عبر آلاف السنين. واستطاع الباحثون أيضاً أن يستخدموا جوانب معينة من عينات الرواسب لتحديد كيف تغير إنتاج الطحالب التي تمثل أساس سلسلة الغذاء عبر الزمن. وفحصوا أيضاً السجل الأحفوري ليروا تزايد أو تراجع عدد المحار والأسماك عبر العصور. وبعد إنشاء تاريخ يمتد نحو 1500 عام، وجد الباحثون أنه مع ارتفاع درجات حرارة البحيرة تراجعت حفريات الأسماك والمحار مما يشير إلى أن درجات الحرارة الأكثر دفئاً تأثيرها سيئ على التنوع الحيوي في البحيرة. والنتيجة تشير إلى أن هذا النمط كان واضحاً بشكل خاص منذ وقت متأخر من القرن التاسع عشر، حين بدأت البحيرة تعاني من عملية ارتفاع متواصل للحرارة. والواقع أن الدراسة تشير إلى أن المنطقة الملائمة للحياة البحرية من مساحة البحيرة تقلصت بنحو 38 في المئة منذ منتصف القرن العشرين. ويعتقد كوهين أن التقلص في امتزاج المياه يمكن وصفه بأنه «المشكلة الأساسية التي تواجهها البحيرة... والتراجع في أعداد الأسماك يرجع في جانب كبير منه إلى ظاهرة تغير المناخ تلك». لكن كوهين أضاف أن هذا لا يعني أن الصيد التجاري لم يلعب دورا في التراجع في الآونة الأخيرة. ومنذ منتصف القرن العشرين والعاملان يؤثران سويا على الأرجح. لكن الدراسة الجديدة تؤكد أن تغير المناخ عامل كبير أيضا وتأثيره امتد لفترة أطول بكثير. *صحفية متخصصة في شؤون البيئة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :