بعد 3 أشهر من الاستعدادات للمشاركة في مهرجان فلسطين الدولي للرقص والغناء، فاجأت السلطات الإسرائيلية فرقة "دواوين" الغزية بعدم منحهم تصاريح دخول للضفة الغربية ومنها للقدس، حيث مسرح الحكواتي، الذي كان من المفترض أن يعتلوه. لم يستسلم أعضاء الفرقة الموسيقية للقرار، وقرروا المقاومة بطريقتهم، فأقاموا حفلهم الغنائي، الذي كان من المقرر أن يقام في القدس، على معبر بيت حانون (إيرز) الفاصل بين قطاع غزة ومدن الضفة المحتلة، تأكيداً على مبدأ حرية الحركة والتنقل الذي اتخذه المهرجان عنواناً له في العام 2016 في دورته الـ 17. فرصة ومثلت الخطوة التي قام بها فريق "دواوين" فرصة لسكان تلك المنطقة الحدودية المهمشة؛ لحضور إحدى فعاليات الفرقة التي كانت تُقام دوماً وسط مدينة غزة، ما يحول دون حضورهم. فبمجرد بدء التجهيزات لإقامة الفعالية، سارع سكان تلك المنطقة من النسوة والأطفال بالتجمهر حول المنصة، رغم أن الفعالية أُعلن أنها ستكون دون جمهور لكنهم حرصوا أن يبقوا جزءاً من الحدث. وحينما بدأت الفرقة بالغناء قفز الطفل محمود المصري (12 عاماً) من مكانه مهللاً وهو يدندن معهم كلمات أغنية "وين ع رام الله"، حيث حقق حلمه بحضور حفل للفرقة التي اعتاد متابعتها عبر صفحات فيسبوك. يقول المصري لـ"هافينغتون بوست عربي” إنه حاول كثيراً "الذهاب إلى وسط المدينة لحضور حفلاتهم، لكن والدي كان يمنعني لبعد المسافة، فقد كان يخشى أن أعود ليلاً وأتعرض للخطر. سعدت كثيراً حينما أعلنوا إقامتهم الحفل بالقرب من بيتي على بوابة معبر أيرز". حرية الحركة ووفق القائمين على مهرجان فلسطين الدولي، فإن شعاره جاء للتركيز على قضية "حرية الحركة والتنقل"، لمحاربة المعوقات التي يواجهها الفلسطينيون في التنقل بين المدن، وإبراز المعاناة التي تواجههم في استضافة فنانين أو فرق عربية ودولية للمشاركة في المهرجان، نظرا لأن السلطات الإسرائيلية تحرمهم من الدخول. وبدأ المهرجان في 27 يوليو/تموز، وكان من أبرز فعالياته تنظيم أمسيتين في غزة أول وثاني أيام المهرجان، مثلتا أهم حدث ثقافي فني شهده القطاع المحاصر منذ 10 سنوات، حيث تجاوز عدد الحضور 3000 شخصاً. الشرارة الأولى وبعد أن أنهى المغني رؤوف البلبيسي (23 عاماً) وصلته الغنائية الأولى، تحدث لـ "هافينغتون بوست عربي" عن تجربته الجديدة في الغناء لأول مرة على حاجز بيت حانون (إيرز)، قائلاً إنها "زادتنا إصراراً على مواصلة عملنا الفني حتى الوصول إلى مسرح الحكواتي بالقدس، الذي يحلم كثير من الفنانين الفلسطينيين بالوقوف على منصته". وكشف البلبيسي أنهم كانوا يتوقعون رفض السلطات الإسرائيلية منحهم تصاريح، إلا أنهم أصروا ولا زالوا يصرون على تحقيق مبتغاهم والغناء في كل مدن الضفة المحتلة - حسب تعبيره -، مشيراً إلى أن الوقوف على خشبة مسرح الحكواتي ستكون الشرارة الأولى لفرقته للمشاركة في المهرجانات العربية والدولية. ومن بين الحضور كانت تجلس السيدة سميحة عدوان، وحولها صغارها يصفقون بحماس للأغاني التي يشدو بها أعضاء الفرقة. وقالت إنها تشعر بالحزن لعدم تمكن الفرقة من الغناء في مدينة القدس، لكنها في الوقت ذاته مسرورة لحضورها وأطفالها لمثل تلك الحفلات الوطنية البعيدة عن الأحزاب السياسية. وقالت، "نحن بحاجة إلى فرق موسيقية تنقل للعالم حب الغزيين للحياة، بالإضافة إلى أن غزة ليست دماراً دائماً، بل تستغل الفرص لارتداء ثوب الفرح". القدس هي المقصد ومن مدينة القدس تحدثت العشرينية سهاد عامر عبر الهاتف بأنها كانت ورفاقها متلهفين لحضور حفلة "دواوين" لأول مرة على مسرح الحكواتي، لكنهم فوجئوا بإلغائها. وتشير سهاد إلى أن فرقة دواوين الغزية تمكنت من الوصول إليهم من خلال أغانيهم الوطنية التي تدعو إلى وحدة الصف الفلسطيني، بالإضافة إلى الأغاني القديمة التي أعادوها بطريقتهم إلى الجيل الجديد، مبينة أنهم لم يعتادوا وصول مثل هذا الفن من قطاع غزة الذي عُرف بـ "الأغاني الحزبية"، على حد قولها. وقدم رامي مسعد، مسؤول لجنة المواقع في مهرجان فلسطين الدولي، اعتذاره للجماهير المقدسيّة التي كانت تتعطش لحضور أمسية فرقة "دواوين"، موضحاً أن إدارة مركز الفن الشعبي، ستواصل مساعيها خلال السنوات المقبلة لجلب فنانين وفرق عربية وأجنبية لكافة الأماكن التي المحاصرة والمهمشة، وفي مقدمتها مدينة القدس وقطاع غزة. وفي السياق ذاته، يقول مدير فرقة "دواوين" عادل عبد الرحمن، "كان لدينا طموح بالوقوف أمام جمهور مدينة القدس ليروا التطور الذي أحدثته فرقتنا، لكن بعد المنع قررنا الغناء على بوابة المعبر لنثبت أن الحواجز لن تعيقنا عن إيصال رسالتنا الفنية خاصة وشعار المهرجان هو حرية التنقل والحركة". وأكد عبد الرحمن بأن فرقته ستواصل حفلاتها على الحاجز الإسرائيلي، حتى يسمح لهم الغناء في مدينة القدس وبقية مدن الضفة المحتلة، فالغزيون يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلاً، وفق قوله. مخطط إسرائيلي بدورها استهجنت إدارة مهرجان فلسطين الدولي، رفض السلطات الإسرائيلية منح "دواوين" تصاريح للتوجه من قطاع غزة إلى مدينة القدس، لإحياء أمسية فنيّة على مسرح الحكواتي ضمن سلسلة فعاليات المهرجان. وقالت مديرة مركز الفن الشعبي إيمان حموري عبر بيان صحافي صدر عن إدارة المهرجان، "هذا القرار يؤكد أن الاحتلال لم يرد أن تكون فرقة دواوين في القدس، لما تحمله هذه المشاركة من رسائل سياسيّة، تؤكد على الموضوع الذي تم اختياره في نسخة هذا العام من مهرجان فلسطين الدولي وهو حرية الحركة والتعبير”. ونوهت حموري، إلى أن بعض عناصر "دواوين" حصلوا في السابق على تصاريح بشكل منفرد، "إلا أن الرفض الصادر من الاحتلال بحق كل أفراد الفرقة، مما يعني أن هناك مخططاً لمنع التواصل الإنساني والثقافي والفني بين الفلسطينيين في الضفة المحتلة وغزة، كما يمثل إمعاناً في سياسة عزل المواطنين داخل القطاع المحاصر منذ 10 سنوات". وأوضحت اللجنة التحضيريّة للمهرجان، أن العروض في غزة هذا العام تأتي بهدف العمل على كسر الحصار المفروض على القطاع ولتثبيت مكانه كجزء لا يتجزأ من فلسطين، فيما تم اختيار القدس لتغني فيها فرقة "دواوين"، للمساهمة في كسر حالة العزلة وخلق حالة من التفاعل الثقافي بين أبناء الشعب الفلسطيني في كل المناطق.
مشاركة :