لم أجرؤ على كلام الحب خوفًا من السجن والقتل

  • 2/8/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رأيتهما في الطريق إلى هناك .. كانتا تمسكان ببعضهما بعضا بعد أن حملت "يمنى" نصيب "حكمت" من الأحلام والزنابق والطيور .. سمعتها تقول لحكمت (هذا هو الطريق للخروج من الشرنقة) .. فيما كانت "حكمت" تقبض على يدي يمنى لتقول لها بعد أن أثقل عينيها الخوف والجزع .. (هل هذا الطريق آمن ؟ أخشى أن نتعثر أو أن يقبض علينا أحد قبل أن نصل إلى النور) .. رأيتهما بجسد واحد ووجه لامرأة واحدة تخرج من زمنها القديم لتتحول إلى "فراشة" تطير عاليا بعد أن تحتفظ بكل روائح الصور القديمة بداخلها.. أنظر إليهما .. لا أعرف من هي "يمنى" ومن هي "حكمت" .. أهما وجهان لعملة نادرة واحدة ؟ أم أنهما الأيام المنصهرة في "قرار واحد" .. سألت "يمنى" في ذلك الطريق .. ألا تخافين الموت ؟ التفتت إليّ .. ثم سرقت نظرة سريعة مليئة بالشفقة إلى وجه "حكمت" التي كانت ترجف من "البرد" .. قالت لي " لم تخني الحياة يوما وأنا التي أتيت من الصمت لأنشد الحكايات كلها .. تقترب من "حكمت" لتحتضنها بداخل قلبها حتى تمتزج في أجزاء روحها .. تختفي "حكمت" بعد أن تبقى "يمنى" . امرأة حقيقية في زمن مازال ينسج الوهم على جدران المارة والعابرين من الحزن .. تخليت عن اسمي «الذكوري» من أجل حياتي وحريتي في الحقيقة .. لم تدخل الناقدة اللبنانية الصادقة الدكتورة "حكمت المجذوب الصباغ" والتي عرفت ب "يمنى العيد" المكشوف .. فقد اكتشفت بأنها خاضت الانكشاف الحقيقي في حياتها الموجعة .. قبل أن تأتي لتبوح لي عبر "المكشوف" ولتقول لي أشياء قادتني إلى مكاشفة بداخل الروح .. في تلك اللحظات التي كنت فيها أقرأ بوحها .. وأنا أنظر للسطور بعينين تكادان أن تستحم بذلك الشجن لفرط "نعومته وصدقه" شعرت بجروح كثيرة تتفتح بداخلي .. لامسني كثيرًا حزنها، تجربتها، اختلافها بين "حكمت" تلك الفتاة التي تحمل اسما ذكوريا لمجتمع كان يمقت الأنثى بكل ذلك القدر من السواد .. وبين "يمنى" المرأة التي تسلقت الفضاء لتجد حريتها وانعتاقها .. وحينما قرأت عبارتها التي كتبتها هنا في المكشوف والتي قالت فيها (ماسيبقى في قلبي هو حزني على والدي، فصورته وهو يعاني بصمت وحدته قبل موته لا تفارقني) شعرت بأن جسدي ينكمش فوق مقعدي القابع خلف المكتب .. وبأن المكان يضيق بداخل قلبي الذي أخذ يهوي قطعة .. قطعة . ليتدحرج إلى قاع الألم .. بكيت كثيرا .. ولا أعرف لماذا أخذت أتأمل ذلك القدر من الوجع الإنساني الرهيب الذي يعيشه الإنسان بائسا، قليل الحيلة .. وهو يجد أحد والديه يعاني المرض والوحدة .. فيما يقف محايدا .. ضعيفا .. لايقدر على انتشالهما من ذلك الضعف .. ولا يستطيع أن يفعل شيئا لهما. حتى يغادرا المكان بالموت. وبعد ذلك يبقى أسير تلك التجربة الجارحة طوال حياته.. ربما الاقتراب من الموت هو من يمنحنا الخفة والبياض لم أبالِ ولم انتظر من رحل عني .. وأنا مَنْ قلت الكلمة الأخيرة الناقدة اللبنانية المدهشة "يمنى العيد" .. تضع بداخلي حنين البوح، تكاشفني فأكاشفها .. تخبرني عن الحزن والموت والحب الذي لم تظهره يوما ولم تحكِ عنه كثيرا .. فأسألها عن مابقي من أحلامها .. فتعود بي إلى ذات القلق لتقول لي "بالبياض أبرهن على حبي للحياة .. و أريد أن أغادر الدنيا قبل العجز .. لا أريد أن أثقل على أحد" .. مواجهة الموت: * في الطريق.. كبرنا. وإلى هنا وصلنا وبداخلنا تلك التجربة التي كم غيرتنا.. نكبر ونحن مثقلون بالقصص التي غربتنا فيها.. ولكننا نعيش بالوجود الذي يعيدنا أحرارا من فكرة القيد والألم… كيف كان طريقك الطويل الذي أتيت منه؟ أعشت بداخل الحكاية المؤلمة؟ أم أنك دائماً صديقة المفاجآت؟ - لا أحبُّ العودة إلى الماضي، ولا محاسبة زمني.. أكتفي بالنّظر داخلي وأحاول قراءة ذاتي.. أحاورها.. علَّني أكون أقلّ قلقاً وأكثر قدرةً على الفهم والعطاء. العودةُ إلى الماضي قد تجعلني أسيرته، وقد ترهنني به. الماضي قائم في الأمكنة حاملة ذكرياتنا عن ذاك الزمن، والزمن فينا كثافة وجود. إنه إرثنا الذي علينا، كي نعيش، أن لا نتماهى به أو نكرره. والماضي حكاية من ذاكرة، والذاكرة تنتمي إلى زمن مضى مسكون بالموت.. نتوهم التغلّب عليه بتذكّر حكاياتنا، بكتابتها لنمنحها الحياة.. هي دائرة يا عزيزتي تشبه الشرنقة ونحن نسعى لنكون فراشات تطير ولا تتحول إلى دودة تموت داخل هذه الشرنقة. أتمنى مغادرة الدنيا قبل العجز .. قبل أن أحتاج لأحد أعوض طفولتي الضائعة بفنون من اللعب مع أحفادي ربما لهذا، أي كي أحوّل موتي إلى فراشة، كتبت "أرق الروح"، وحكيتُ عن الصمت الذي أتيتُ منه.. عن معاناتي للتحرّر من ذاك الماضي المسكون بالموت والألم، الموت الذي حاصرني باكراً فرحت أنشد الحياة لي وللآخرين، لمن كنت أراهم يموتون، ولا أزال، بسبب الفقر والجهل والحروب. مفاجأتي الكبرى هي خروجي من الحكاية المؤلمة. حوافز الأحلام: * كتبت ليلى الجهني (صرت خارج أشياء كثيرة ظننت أني لن أصير مرة خارجها، أولها: الانتظار. ما عدت أنتظر وقد ربحت بهذا نفسي ووقتي وطاقة بددتها من قبل على أمور وأناس لا تستحق)… ما هي الأشياء التي خرجت منها بعد أن أدركت بأنه ليس هناك ما يستحق كل ذلك العناء؟ أتنتظرين شيئاً ما؟ أم أن الأشخاص الذين عبروا حياتك ولا يستحقون قد غيروا من قناعة الانتظار لديك؟ - جميلٌ قول ليلى الجهني، وصحيح، لكن الانتظار، بالنسبة لي، هو لما نعمل ونسعى إليه، وليس لما نحلم به فقط. الأحلام حوافز وليست بدائل. لقد عملت، ولا أزال، ملتزمة بإخلاصي وبقناعاتي. أجد في عملي تحقيقاً لذاتي، وإثراءً لنفسي وروحي.. وهذا يستحق عنائي. أنتظر أن يكون لما قدّمتُه في مجال النقد فائدة. لقد سعيت ليكون كلُّ قارىء ناقداً، متحرراً من سلطة الناقد. معظم الأشخاص الذين عبروا حياتي يستحقون الانتظار. للعبور عندي معنى الضرورة التي تمليها ظروفنا ومشاغلنا. قلّة هم من عبروا وتركوا ندبة ألم داخلي.. كنت في عمر المراهقة، ولكني تمكنت من تجاوز ذلك الألم.. كان سببه الغدر والكذب. أنتظر أن ألتقي بأصدقاء من أكثر من بلد عربي، أودُّ على هذه الصفحة أن أعتذر من بعضهم ممن راسلني وأهداني بعض رواياته، قرأتها وأعجبتني ولم أستطع إيصال هذا الإعجاب له. أنتظر عودة أولادي من المهجر، أنتظر غمرتهم لي بما يشبه الندى المعطر بمشاعر الطمأنينة والرغبة في النعاس. خيانة الطفولة: * كتبت (سوف أخون زمني الماضي، أقول كلما فكرت في الكتابة عنه، فالزمن مفارقة مستمرة لذاته، إنه حركة لا يمكننا أن نستعيد إيقاعها ولغتها.. ثمة خيانة نقع فيها حين نتذكر).. أيمكن أن نقترف الخيانة حينما نتذكر، هل في النسيان وفاء للزمن؟ متى قررت الخيانة؟ ومتى التزمت بالوفاء؟ - الزمن الذي قصدتُ خيانته هو زمن طفولتي الذي حكيتُ عنه. لقد كان من الصعب، بل من المستحيل، أن أستعيد ذلك العالم كما رأيته وأحسسته وكما ارتسم في مخيلة طفولتي. هكذا استعنت بالخيال، وبالأسطورة، وتوسلت اللغة الشعريّة الموسومة بالبراءة، كما المشهد. مشهد أمي مثلا وهي تفرغ حبّات البرتقال من ملايتها، وقولي: "أمي بستان" تعبيراً عن الصورة التي في مخيّلة تلك الطفلة التي كنتها. "الخيانة" هنا لها معنى المفارقة، مفارقة المتخيّل السردي للواقع المرجعي. السرد نوع من اللعب الفني ولا يستوجب الأمانة التي تستوجبها الكتابة التاريخية. ليس "أرق الروح" يوميّات ولا مذكرات، ولا هو نقل للواقع أو تأريخ لحياة عشتها. هو سرد توخيت به التعبير عن مشاعر تلك التي كنتها. وسعيتُ لتجاوز الفردي إلى الإنساني الذي هو جوهر كل عمل فني إبداعي. لا علاقة لهذه "الخيانة" بالأخلاق، أو بالنسيان، أو بالأمانة للتاريخ، بل بالقدرة على إبداع ما يُشعِر بالحقيقي ويُمتع. لقد "خنت" زمني في سردي، والتزمت بالوفاء للعلم والمعرفة في أبحاثي وكتاباتي النقديّة. هشاشة الحياة: * كلما كنا أكثر وعياً ازدادت هشاشتنا.. وكلما ظننا أننا بعد التجربة محصنين من الألم ذرفت أعيننا سريعا لوخزة قلب. ماذا نفعل؟ فذلك مصير من يفهم كثيراً ويتحسس أكثر.. أتملكين القدرة على أن تعيشي قوية القلب دون أن تتألمي أكثر من تجارب الخذلان؟ ما سر الارتباط بين الوعي العميق للأشياء وبين هشاشة الروح؟ - أنا اليوم ألوذ بروحي، أتجنّح، أشعر بخفّة الحياة.. أكاد أرتفع فوق زمني المليء بالدم والدمار. كأنَّ الحب الذي اختزنته في سويعاتٍ هاربة يرفعني اليوم فوق هشاشة الحياة وثقلها.. أتخفف من هذا الثقل ليغمر دواخلي الصفاء. هل هو الاقتراب من الموت يهبنا هذه الخفة؟ ربما!!! منذ طفولتي عشت حياتي كنجاة مستمرة من الموت. لم أعد أذكر كم مرة قاربني الموت ولم تخني الحياة. ليست هي الهشاشة ما أشعر به وأنا أعيش سنوات نهاية العمر، بل هو الصفاء الذي يقارب الهشاشة دون أن يكونها.. يقاربها مهابة السقوط أمام طفلٍ يصْرعه الرصاص. الكلمة الأخيرة: * كتب عيسى مخلوف (الذي يمضي لنتركه يمضي. لا نتعقب أثره ولا نناديه.. ولانتحسر على عدم قولنا له الكلمة الأخيرة.. ولم الانتظار؟ وهو أصبح خارج انتظارنا له حراً طليقاً).. أيستحق من يمضي عنّا أن نتشبث به ونطلب منه أن لا يرحل؟ هل عشت تلك التجربة التي كنت فيها طليقة خارج حدود الانتظار لشخص ما؟ - أعتقد أن ما يقوله الصديق عيسي مخلوف له علاقة باحترام حريّة الفرد واستقلاله، أوافقه الرأي وأضيف بأني لا أحبُّ أن يمضي صديقٌ عنّي بسبب مني، أو لسوء تفاهم، أحاول التوضيح وبعدها ليمض من يودُّ أن يمضي.. لا أبالي ولا أنتظر بل أنعم بحريتي. حريتي هي كلمتي الأخيرة. نعم أنا دوماً داخل حدود الانتظار.. لأولادي. غربة الأسماء: * قضيت عمرا طويلا وأنت يمنى العيد.. ثم قررت يوما أن تعودي إلى اسمك الحقيقي "حكمت المجذوب الصباغ"، المسجل في بطاقة الهوية.. أخبريني من أنت فيهما. حكمت أو يمنى؟ ولماذا هربت من الأولى؟ أيمكن للأسماء أن يكون لها ذلك الأثر والسطوة الكبيرة في تشكيل شخصياتنا وحياتنا؟ أيهما تحبين أكثر.. يمنى أو حكمت؟ - أنا يمنى، وما زلت يمنى، وسأبقى يمنى، أنا اليوم رسميّاً يمنى. لقد وُضع، مؤخراً، اسم يمنى على لوحة المدرسة الثانوية الرسمية في صيدا باعتبار يمنى هي أنا. لقد أسعدني أن يتكرّس وجود يمنى رسميّاً، وأن تزول الغربة التي كنت أشعر بها وسط أهلي وبين أبناء مدينتي. كنت يمنى في المؤتمرات والندوات التي شاركت فيها في أكثر من بلد عربي وغربي. وكنت يمنى في كل ما أصدرتُ من كتب وما كتبت من أبحاث ومقالات، وبقيت في بلدي مجرّد موظفة. في الجامعة يعرفون يمنى ولا يعرفون أنّها أنا. ذات يوم سألني أحد طلابي: هل تعرفين يمنى العيد؟ ولما لم أجب أضاف: هل قرأتِ لها؟ في "أرق الروح" لم أعد إلى حكمت، بل إلى ذكرياتي عنها. نحن نحمل ذكرياتنا ولا نكونها. وأنا أعيش اختلافي في الزمن والحياة.. هذا ثرائي. الأسماء رموز، ولقد اخترت اسماً لي كي تكون لي حريتي وخياراتي. كثر هم الكتاب الذين اختاروا لأنفسهم أسماء غير الأسماء التي أُعطيت لهم عند ولادتهم، ذلك هو خيار وعلامة على ولوج درب الحرية وتكوين ذواتنا على نحو ما نودّ. حكمت اسم ذكر، وقد رغبتُ عنه وتبنيْتُ اسم يمنى الأنثوي. مساعدة يمنى: * ليس هناك أصعب من أن نفهم الآخرين ولكن الأكثر تعقيداً أن نفهم أنفسنا.. ماذا نريد؟ فتلك هي المتاهة الطويلة.. أتفهمين "يمنى" جيداً؟ ما هو الفهم الذي اكتشفت معه حقيقة فاجأتك عن "يمني"؟ - أنا في حوار دائم مع يمنى، ومع مراياي، مرايا طفولتي وأهلي وبعض أصدقائي. يمنى هي التي ساعدتني كي أواجه انكسار مرآة طفولتي وأعانتني على تحمل ظلمة مرايا من أحب. في "أرق الروح" كتبت عن بعض ذلك، وأكتب اليوم عن بعضها الآخر. لقد فاجأتني يمنى بفهمٍ ساعدني على اكتشاف أكثر من حقيقة، لعل أشدّها تأثيراً بي هو ما يخصّ علاقتي بوالدي وبحقيقة ما كان يعانيه في نهاية عمره. يمنى هي التي حملتْ أوراقاً بيضاء وقلم حبر أسود لتقرأ رسوماً خطها والدي بأظافره على الجدار الأبيض المحاذي لسرير موته. بعد ذلك، أعلنتْ يمنى وداعها لحكمت. ما فاجأني عن يمنى هو فهمٌ اكتشفتُ معه حقيقة دواخلي.. فهم زوّدني بالجرأة على اتخاذ قرارات مصيريّة في حياتي. جرأة الحب: * غنت فيروز (زعلي طول أنا وياك.. وسنين بقيت.. جرب فيهن أنا أنساك.. ما قدرت نسيت. لوجيت نهار على بيتي لقيت.. إنك حبيبي بغيابي جيت.. بتشوف إن ما مرقوا إلا إيديك على هالبيت.. كأنك حبيبي أنت وعينك.. هلا فليت) ماذا يفعل "الزعل" حينما يكون قاسياً وبارداً وطويلا بقلبين كان العشق بينهما؟ لمن تقولين "زعلي طول أنا وإياك"؟ - أمام هكذا سؤال تمثل أمامي حكمت المراهقة، الخجولة، الخائفة التي عاشت في بيئة يكفي أن تنظر فيها البنت إلى شاب حتى تُتّهَم بالعار ويصار إلى تأديبها، وسجنها بين جدران البيت. وربما إلى قتلها. كنت خائفة من كل ما يمكن أن يحول بيني وبين تحقيق حلمي في متابعة دراستي وأن أكون يمنى التي كانت مجرد حلم. هكذا غرقت في عالمي الداخلي ورحت أُثريه بالقراءة وسماع الموسيقى وبالتأمّل والتفكير، ولم أجرؤ على كلام الحب بما هو بوحٌ وسبيلٌ للتواصل. يسحرني كلام فيروز وإن كنت أعتقد أن الحب الحقيقي نادر، وربما غير موجود. يقول غاوشينغجيان: " الحب ليس إلا وهما، نركن إليه لكي نخدع أنفسنا". وأقول: العشق أسطورة قد نصدّقها ونعيشها بكل أوهامها ومتعها وعذاباتها، وقد لا نصدّقها ونكتفي بالشدّ على أوتار الجسد ونبضات القلب، وقد نفتح نوافذ أخرى تجمع بين عشق الروح وشهوة الجسد.. تلك أهواء وأمزجة.. وما لا أدري مما له علاقة بالتربية والثقافة وحاجات الجسد والروح. اليوم انتهى زعلي.. وصار الحب ذكرى في داخلي. صمت الحب: * قلت له"(أصمت في غيابك، وحينما تحضر أفيق من غفوة العشق، أترك الوقت حتى يسمعك، وأنسى معك بأنك موجود) .. لماذا يفعل العشق بنا كل ذلك! يحولنا إلى طيور بقلب إنسان؟هل التقيت يوماً بذلك الحب الذي جعل منك امرأة تهرب من حبيبها إليه وهي معه؟ - لم يفارقني الحب يوما، ولكنّي كنت دائما أصمت في حضوره. أطرح على نفسي أسئلة لا أجد أجوبة شافية لها، فألوذ بالكتابة. أكتب عن هواجسي، عما لا أفهم سرَّه ويغرق في عتمته، في الصمت الذي يحمي ويُنقذ. ذات يوم كتبتُ: "إن خلايا جسدي مكوّنة من كلمات هي صمتي". الكلمات الصامتة هي جسد الإناث حتى أولئك اللواتي يتغنين بالحبّ والهوى. محاسبة الذات: * كتب أمين معلوف (المرء لا يكون بريئاً من أفعال الأشخاص الذين يحبهم، ولكن هل يتحتم عليه أن يتنكر لهم بسبب ذلك؟.. أيمكن أن يكون هناك من يتنكر لأحبابه فقط لأنه يجد في ذلك مفراً من قبحه وسوء أفعاله؟ لمن تقولين "يا لنذالتكم" ؟ - الأمور في نظري قائمة في العلاقة وليس في الطرف الواحد. كلُّ فعل هو نتاج علاقة. والنذل هو من يرمي الآخرين بمساوئه ولا يحاسب ذاته. حدائق الكلمات: * لمن تذهب إذا شعرت بأنك في حاجة إلى قلب يُسكنك في حدائقه؟ من الذي حينما يحضر تمارسين معه كل الطفولة والشغب؟ - في غياب أولادي أذهب إلى يمنى التي تدعوني إلى الكتابة وتُسكنني في حدائق كلماتها. ولكن حين يحضر الأولاد فإنّ جنائن قلوبهم الفوّاحة بالشوق والحنين تغمرني ولا أعود أعرف لي سكنا غيرها. أمّا الطفولة والشغب فلي من فنون اللعب مع أحفادي ما يعوّضني طفولتي الضائعة ويرهقني في الآن نفسه. السرعة الواحدة: * إنني امرأة سريعة البكاء.. سريعة الضحك.. كثيرة الأحلام .. كثيرة الخسارات .. كل ذلك في سرعة واحدة قد يحدث.. وماذا عن "يمنى" أتمارسين تلك السرعة في لحظة واحدة؟ - ولدَتْ يمنى داخلي في زمن الحروب في لبنان، كان الفرح نادرا وكان الدم غزيرا، ذرفتُ دموعي جهرا على فقدان من أحببت، أهلي الذين ماتوا، وأصدقائي الذين قُتلوا. أما دموعي على آلامي فذزفتها في الصمت.. في وحدتي. كانت أحلامي تعتمل في قاع ذاتي.. كأنّها ألحانٌ حزينة لموسيقى الليل والنهار. تعدّدت لحظاتي، وكان لكلّ منها زمنه وسرعته. الجرأة على العيش : * ماذا بقي من أحلام "يمنى العيد"؟ وما هو الحزن الذي سيبقى في قلبك لآخر لحظة في حياتك؟ - أن تتابع يمنى طريقها، مهما تبقى لها من سنوات عمرها. أن لا تفقد الأمل بمستقبل لا يُقتل فيه الأطفال. أن تكون أكثر جرأة على العيش بحريّة ولا تلتفت إلى الشرنقة التي خرجت منها. ما سيبقى في قلبي هو حزني على والدي فصورته وهو يعاني، بصمت، وحدته قبل موته لا تفارقني. الأبيض: * في المرض يدخل كل شيء في مصيدة "البياض"، لون الشاش لون أغطية السرير، لون ثياب الأطباء والممرضات، حتى التقارير الطبيّة لونها أبيض.. بكل ذلك القدر نحب أن نُلبس المرض البياض وكأنّنا نجرِّب أن نعتاد على لون الكفن فالوداع.. هل لنتطهر به؟ أم لأنّ في الضعف تصالح يشبه البياض الممتد من الصفاء؟ - في ذاكرتي بياض ثوب العروس وغطاء رأس أمي، وبياض الزنبق والياسمين على سطح بيتنا القديم، وبياض طيور النورس فوق مياه بحرنا. كلامك على العلاقة بين المرض والبياض شفاف وعميق.. وبوحْيٍ منه يأتيني الكلام فأقول: في الأبيض تمّحي الصور وتغيب معالم الوجود، تزول. كأنَّ ذلك ليذكرنا بالموت، ويقرّبنا من الفناء، ويدعو العاملين في المشافي للنقاوة، للتجرّد، لأولويّة الإنساني على الدنيوي. هل لهذا أحببتُ، مع تقدمي في السن، ارتداء الأبيض!! لا أدري.. ولعلّي لا أودُّ أن أدري.. ذلك أني ما زلت أحبُّ الحياة لكأنّي يمنى التي ستولد من جديد… لا أخاف المرض، بل العجز الذي يجعلني بحاجة إلى الآخرين. أتمنى أن أغادر هذه الدنيا قبل العجز، قبل أن أحتاج لأحد، قبل أن أُثقل على أحد. * ما هو السر الذي لم تقوليه لأحد؟ - هو ما تركته لما بعد مماتي.

مشاركة :