هناك ثلاثة أسماء فقط في «هوليوود»، تعمل منذ خمسة عقود بالقوة والزخم نفسيهما دون أن يهبط مستواها، وهم كلينت إيستوود، ومارتن سكورسيزي، وستيفن سبيلبيرغ. الأول والثاني يتمتعان بالموهبة والبراعة في التنفيذ، لكن الثالث يجمع الموهبة والعبقرية والبراعة والإبداع في آنٍ واحد.. دعونا نستعرض كيف يكون ذلك: عندما ترون صانع أفلام ينتقل بسلاسة شديدة من فيلم خيال علمي إلى فيلم مغامرات، من حقبة زمنية معينة في سنة واحدة فقط، ثم يصنع بعدهما فيلم دراما واقعياً (ضعوا في الاعتبار الفروق الشديدة بين هذه الأصناف الثلاثة)، فاعلموا أنكم أمام حالة استثنائية جداً. هذا الذي يصنع فيلم مثل Catch me if you can مباشرة، بعد فيلم «تقرير الأقلية» لا يستمتع بوقته فقط، بل هو يتسلى بتجربة جديدة - كما يسميها - تكاد أن تكون تحفة، مجرد تجربة في بطولتها توم هانكس وليوناردو ديكابريو، هذا يعني أن هذه التجربة عند أي مخرج آخر، تستغرق أعواماً من الإعداد. عندما ترون مخرجاً يصنع فيلمين في آنٍ واحد بدقة متناهية، فاعلموا أنكم أمام عبقري لن يتكرر في تاريخ السينما. سبيلبيرغ فعلها كثيراً، لكنْ لديه تجربتان بارزتان: الأولى عام 1993 صنع سبيلبيرغ جوراسيك بارك وقائمة شندلر، الأول أعاد تعريف أفلام البلوكباستر، والثاني فاز بأوسكار أفضل فيلم. لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. • 3 أسماء فقط في «هوليوود»، تعمل منذ خمسة عقود بالقوة والزخم نفسيهما، دون أن يهبط مستواها: كلينت إيستوود، ومارتن سكورسيزي، وستيفن سبيلبيرغ. خارج إرادة المخرج قد يجد البعض الفيلم بطيئاً، لكن كاتب هذه السطور لم يشعر بذلك. عيوب الفيلم ربما في القصة الأصلية، وذلك عامل خارج إرادة المخرج، فالفيلم يبدأ كأنه في كون موازٍ، أو زمن مختلف، ويمضي بسلاسة حتى مشهد قصر باكنغهام الظريف والمنفذ بحرفية عالية، لكن بعد ذلك ينقلب الفيلم ويخرج من عالمه الخيالي الجامح، ويدخل في عالمنا، حيث نرى جيشاً وقوات أمن خاصة وأجهزة اتصالات لاسلكية حديثة. المشكلة تكمن في عدم وجود حدود بين العالمين، وربما لو أن سبيلبيرغ غيّر قليلاً في النهاية، لتتناسب أكثر مع عالم الفيلم، لكانت النتيجة أفضل رغم أنها ليست سيئة. أما التجربة الثانية؛ ففي العام الماضي حينما صنع جسر الجواسيس، وهذا الفيلم الذي أمامنا اليوم بعنوان The Big Friendly Giant أو «العملاق الودود»، المعروف اختصارا The BFG، هذا هو ستيفن سبيلبيرغ لمن لا يعرفه. «العملاق الودود» مقتبس من قصة أطفال لرولد دال، نشرها عام 1982 في العام نفسه الذي صنع فيه سبيلبيرغ رائعته ET. هناك الكثير من التشابه بين الفيلمين، أولاً كاتبة فيلم ET ميليسا ماثيسون (رحلت في نوفمبر 2015، بعد صراع مع المرض) هي التي اقتبست هذا الفيلم، ثانياً الفيلمان عن صداقة بين إنسان ومخلوق خيالي غريب، ثالثاً الفيلمان ينتهيان بتدخل رجال يعملون لصالح الحكومة. صداقة.. وتهديد «العملاق الودود»، الذي يعد أول تعاون لسبيلبيرغ مع «ديزني»، يبدأ من «ميتم»، حيث نرى صوفي (الطفلة روبي بارنهيل)، تنظر خارج نافذة غرفة النوم في «الميتم» فترى عملاقاً (مارك رايلنس) متستراً بعباءة، تخاف روبي وتركض إلى سريرها على أمل ألا يكون ذلك العملاق قد رآها، لكن العملاق لحق بها، ومد يده إلى سريرها واختطفها وأخذها إلى موطنه مملكة العمالقة. هناك في منزله، يقدم العملاق نفسه باسم «العملاق الودود»، الذي ينفخ أحلاماً من أداة خاصة لديه داخل غرف نوم الأطفال، ويخبرها عن معاناته مع نوع آخر من العمالقة الأشرار في مملكته، والذين يأكلون الآدميين، خصوصاً الأطفال. عملاقنا الودود يرفض أكل الآدميين، ويأبى سرقة الطعام من بيوت الناس، وكنتيجة فهو مجبر على العيش على أكل نوع معين من الخضراوات يشبه الخيار، وهو ذو طعم كريه. تنشأ صداقة بين صوفي والعملاق؛ لكن سرعان ما تواجه صداقتهما أول تهديد، بوصول العملاق الشرير بلدبوتلر، الذي يشتبه في أن العملاق الودود يخبئ آدمياً في منزله. ينجح العملاق الودود في حماية صديقته الصغيرة صوفي، وإبعاد الشرير عن منزله. تتوطد العلاقة أكثر بينهما، ويخرجان في صباح اليوم التالي إلى أرض الأحلام، إذ تشاهد صوفي صديقها يصطاد أحلاماً، لكن العمالقة الأشرار بزعامة قائدهم يفسدون الرحلة، ويعذبون صديق صوفي الودود، الذي تمكن من حمايتها للمرة الثانية. تقنع صوفي العملاق الودود بالذهاب إلى ملكة بريطانيا (بينيلوب ويلتون - من مسلسل داون تاون آبي)، لطلب المساعدة والتخلص من شر العمالقة. تستجيب الملكة لطلبهما بعد استضافتهما، ويتم التخلص من العمالقة ويستتب الأمن. بالطبع، ليست هناك مفاجآت في فيلم مقتبس من قصة دون زيادة أو نقصان أو إخلال بتفاصيلها. هذا التعاون الثاني بين سبيلبيرغ وعملاق التمثيل مارك رايلنس الحائز أوسكار أفضل ممثل عن فيلم جسر الجواسيس. رايلنس أدى كل الدور بتقنية التقاط الحركة Motion Capture، التي يضاف إليها شكل الشخصية النهائي بعد التصوير باستخدام الكمبيوتر، ويعتبر تجسيد رايلنس للشخصية الأفضل منذ أداء آندي سيركيس لشخصية غولم بالتقنية نفسها، في ملحمة ملك الخواتم 2001-2003. تشابه نعود للنقطة المذكورة آنفاً عن التشابه بين فيلم ET وهذا العمل، ففي ذلك الفيلم ركز سبيلبيرغ على صداقة طفل مع مخلوق فضائي، بطريقة عزلتهما تقريباً عن البيئة التي تدور فيها أحداث الفيلم. فمثلاً، لم تظهر في ذلك الفيلم أي لقطة كاملة لأي شخصية خارج إطار علاقة الصداقة بين الطرفين إلا عند الضرورة، ولم تأتِ تلك الضرورة إلا في آخر الفيلم. هنا يحدث الأمر نفسه تقريباً، فلا نرى أحداً خارج إطار العلاقة بين العملاق وصوفي إلا عند الضرورة المتمثلة في الخطر والنجدة، أي خطر العمالقة الأشرار ونجدة الملكة وحاشيتها، وهنا يبرز أسلوب سبيلبيرغ في خلق عالم خاص بشخصياته، ينغمس المشاهد فيه بشكل كامل حيث يرتبط عاطفياً بتلك العلاقة، وقد يجد صعوبة في الانفصال منها؛ كما حدث في ET وليس بالضرورة هنا. لا نقارن حتى نثبت أن هذا الفيلم في مستوى تلك الكلاسيكية السينمائية، وإنما القصد من المقارنة إثبات الجانب القوي الذي يتمتع به سبيلبيرغ، وهو خلق علاقة الصداقة تلك، وإضفاء الخصوصية عليها ليس إلا. حوارات الفيلم قد لا تفهم في البداية، بسبب طريقة العملاق في الحديث، والمعتمدة على قلب أحرف الكلمات (كما يتحدث جارجار بينكس في ستار وورز)، لكن المشاهد يعتادها بسرعة وتصبح مفهومة.
مشاركة :