في الوقت الذي وصلت فيه قضايا النفقة إلى 2645 قضية، منذ بداية العام الهجري، حتى منتصف شوال الماضي، وجّه الدكتور وليد الصمعاني وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء تعميماً للمحاكم، بمراعاة ما تقضي به النصوص النظامية الواردة في "نظام الحماية من الإيذاء" و"نظام حماية الطفل" في حالة النظر القضائي، واعتبار الامتناع عن النفقة المقررة شرعاً إحدى صور العنف الموجّه إلى الطفل، مشيرا إلى الدراسة التي أعدتها الوزارة بهذا الشأن، وأهمية اتخاذ الإجراءات النظامية في حق الآباء الممتنعين عن أداء النفقة. ولفت تعميم الوزير إلى ما تضمنته المادة (1) من "نظام الحماية من الإيذاء"، بأن الإيذاء هو كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، وأنه يدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته أو ممن يترتب عليه شرعاً أو نظاماً توفير تلك الحاجات لهم. وبيّن أن "نظام الحماية من الإيذاء" ينصُّ في المادة (13) بأن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال، ولا تزيد على 50 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب فعلاً من أفعال الإيذاء الواردة في المادة (1) من النظام، وأنه في حال العودة تضاعف العقوبة. وبحسب تعميم وزير العدل فإن للمحكمة المختصة إصدار عقوبة بديلة للعقوبات السالبة للحرية، مع ملاحظة شمول الامتناع عن دفع النفقة بعد صدور حكم بالإلزام بها بما نصت عليه الفقرة (أ/1) من المادة (88) من (نظام التنفيذ) بأن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات كل مدين ارتكب أياً من الجرائم المنوّه عنها في المادة المشار إليها، ومنها الامتناع عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في حقه، أو ثبت قيامه بإخفاء أمواله أو تهريبها، أو امتنع عن الإفصاح عما لديه من أموال. من جهته، أكد تركي الرشيد مستشار قانوني، أن هذا الإجراء الجديد فيه تأديب وحث وردع ونفع، حيث إن أثره رادع للمماطلين، خاصة أن مثل هؤلاء بحاجة إلى أسلوب الحزم الجازم معهم. وبين أن هذا القرار جاء من منطلق أسس القضاء الشرعي الذي قامت عليه السعودية، فضلا عن الأنظمة المرعية التي وضعها ولي الأمر، التي فيها مصلحة الرعية وفيها قيام العدل وتوزيع الحقوق، داعيا الممتنعين عن النفقة إلى أن يتقوا الله ويؤدوا الحقوق، حيث إنها مطلوبة منهم قضاءً ووفاءً في الدنيا قبل أن تؤخذ منهم في الآخرة. بدوره، طالب عمر الجهني مستشار قانوني، بمضاعفة العقوبة لأكثر من سنة، إذ إنه مطلب شرعي لحماية الأطفال من معاملة أشد عنفا من قانون الإيذاء، مشددا على ضرورة تشديد العقوبة على الأب واعتبارها جريمة لكونه يعاقب أطفاله بما هو أشد من العنف الأسري وذكر أنه يلاحظ في المحاكم معاناة الزوجة وأطفالها في إثبات حقها الشرعي من هذا الزوج والأب الذي يريد عقاب أبنائه بسبب انفصاله عن والدتهم فيتخلى عن نفقتهم لشعوره بأنه غير ملزم بهذه النفقة. وقال الجهني "إن العنف الأسري له وقت وزمن ويكون محدودا باكتشافه، أما منع النفقة، فقد يقلل من فرص التعليم والعلاج والمطعم والمشرب، وهذا الأمر عظّمه فقهاء القانون في معظم الدول"، مستشهدا بقانون العقوبات في مصر الذي تختص فيه المادة (293) بجريمة الامتناع عن النفقة، واصفا الامتناع عن النفقة بأعظم الآثام حيث يضيع الأب أطفاله وفقا للحديث النبوي "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول". وأشار إلى النتائج التي سيحققها هذا الإجراء من حفظ لحقوق المرأة والطفل، كما حصل مع قرار أحقية المرأة أخذ نسخة من عقد النكاح لحفاظ حقوقها أو استصدار نسخة من سجل الأسرة. وأكد أن توجيه الوزير بمعاملة الممتنع عن النفقة بالعقوبات سيوقف تلاعب كثير من الآباء الذين يتقاعسون عن دفع النفقة بحيل غالبا ما يكتشفها القاضي، حيث يلجأ الممتنع إلى بعض الطرق والاحتيال بتغيير راتبه - مثلا - أو إخفاء تجارته عن القضاة أو بإثبات إفلاسه، موضحا أن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك ليجعل بينه وبين أحد أصدقائه مديونية فيثبت للقضاء أنه عاجز عن النفقة.
مشاركة :