لا يقتنع الإسرائيليون بما تردّده أوساط قريبة من رئيس حكومتهم بنيامين نتانياهو، بأن مردّ اقتراحه سن قانون جديد يمنع تسجيلاً صوتياً لحديث بين طرفين من دون موافقتهما، هو حرصه على «خصوصية الفرد»، إنما يربطونه بقلقه من تحقيقات استقصائية لوسائل إعلام تنسب إليه تورطه في قضايا فساد مالي دفعت بالمستشار القضائي للحكومة إلى إصدار تعليماته للشرطة للتحقيق فيها. ويسمح القانون الساري مفعوله حالياً، لأحد المشاركين في حديث بتسجيل كلام سائر المشاركين من دون معرفتهم واستخدام التسجيل عند اقتضاء الضرورة. واتّهم نواب في المعارضة وأساتذة بارزون في القانون الدستوري رئيس الحكومة بالسعي، من خلال احتفاظه لنفسه بحقيبة الاتصال، إلى «كم الأفواه»، إذ يضاف اقتراحه الجديد إلى تدخله في تعيين قريبين منه مسؤولين عن القناة العاشرة التجارية واتحاد البث الجديد و»قناة الكنيست»، لتكون، كما صحيفة «إسرائيل اليوم»، بوقاً له ولسياسته. ويشير هؤلاء إلى أن التسجيل الصوتي ساعد سلطات تطبيق القانون في الكشف عن جرائم في العالم السفلي، من خلال تجنيد «شاهد ملكي» وثّق بالصوت والصورة مخططات إجرامية، كما أنه يساعد في فض نزاعات قانونية عادية بين المواطنين من خلال تسهيل مهمة القضاة في الحسم. وأشارت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها أول من أمس، إلى أن التسجيل السري بات أداة ناجعة في يد الإنسان العادي والموظف البسيط لمنع مراكز القوى من استغلال نفوذها وسلطتها ضده، كما «ساعد في كشف المظالم بإتاحته تسجيل مظاهر العنصرية والتمييز وغيرها التي تسيء إلى الأبرياء». وأضافت أنه «تحت المظهر المتحضر والليبرالي لرئيس الحكومة الحالي، تختبئ سِمات غير ديموقراطية تقوم أساساً على رغبة قوية لديه في إضعاف وسائل الإعلام ومواطني الدولة وتعزيز قوة السلطة، خصوصاً قوة الحاكم، «كما يفعل الرئيسان الروسي والتركي فلاديمير بوتين ورجب طيب أروغان في بلديهما». وتوقف المعارضون عند أهمية التسجيل الصوتي في عمل الصحافة الاستقصائية، خصوصاً في مجال تحقيقاتها لمحاربة الفساد، إذ تشكل هذه التسجيلات أدلة للتحقق من صحة الشبهات والروايات، مستذكرين أنه بفضل التسجيلات الصوتية يقبع رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت حالياً في السجن بعد إدانته بالفساد المالي، اعتماداً على التسجيلات الصوتية معه التي قامت بها سكرتيرته شولا زاكين. كما يرى الصحافيون أن منع التسجيل لا يقلص هامش تحركهم في عملهم فحسب، إنما يعرضهم أيضاً لمساءلات قانونية ودعاوى قذف وتشهير في غياب أدلة دامغة تدعم تحقيقاتهم. وأعرب كثر منهم عن خشيتهم من تشريع مثل هذا القانون لأنه يشكل ضربة مميتة للعمل الصحافي النزيه. واتهم الصحافي السابق النائب ميكي روزنتال، رئيس الحكومة بأنه يريد أن يضع نفسه فوق القانون، فضلاً عن حملته المحمومة ضد الإعلام الحر، مستبعداً أن يلقى هذا الاقتراح تأييد غالبية في البرلمان. يشار إلى أن اقتراح نتانياهو جاء غداة اقتراح لنائب يميني بمنع الشرطة من التحقيق مع رئيس حكومة خلال ولايته، وهو اقتراح لاقى الاستخفاف والاستهجان لدى غالبية الأحزاب، «لكنه كشف مدى قلق رئيس الحكومة من التحقيقات الجارية ضده في شبهات الفساد»، كما أكد كثر.
مشاركة :