حرب «البوركيني» تغزو الشواطئ والمسابح الفرنسية

  • 8/14/2016
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أقل من أسبوعين، تنتهي «الهدنة» الصيفية للطبقة السياسية الفرنسية التي تتأهب لأن تعيش خريفا ساخنا مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية والتشريعية الربيع المقبل، حيث ستتصادم الطموحات يمينا ويسارا. لم يهدأ الجدل الذي أثارته آخر عمليتين إرهابيتين في فرنسا «في مدينة نيس وكنيسة سان أتيان دو روفريه» والنواقص التي بانت في المنظومة الأمنية الفرنسية رغم حالة التأهب القصوى التي تعرفها البلاد، حتى طاف على سطح الأحداث موضوع تمويل بناء المساجد وتأهيل الأئمة في فرنسا. والسؤال الذي طرح هو التالي: هل يتعين على الدولة أن تساهم في التمويل لتقطع دابر التأثيرات الخارجية عن الإسلام، ثاني الديانات في فرنسا، الذي يضم ما بين خمسة إلى ستة ملايين شخص، وبالتالي هل يمكن تخطي قانون عام 1905 الذي يفصل بين الدولة والديانات؟ بعد ذلك مباشرة، أثير ملف تمثل المسلمين باعتبار أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية «وهو الهيئة الرسمية المفترض به أن تلعب هذا الدور» بدت منذ إنشائها، إما منقسمة على نفسها أو عاجزة عن تمثيل المسلمين بشكل صحيح وفاعل، وأن تكون الجهة التي تستطيع السلطات الرسمية محاورتها والركون إليها لمحاربة الفكر الأصولي المتشدد، ووأد ظاهرة التطرف الراديكالي التي تستغل اسم الإسلام، وتستثير العنصرية والشعور المعادي للمسلمين. أما اليوم، فإن الموضوع الذي يشغل الوسائل الإعلامية الفرنسية، إلى جانب الألعاب الأولمبية في مدينة ريو دي جنيرو، يبدو «سورياليا» بالنظر للأزمات التي تعيشها فرنسا، ولكنه يعكس إلى حد بعيد، حالة «الهستيريا» الجماعية التي تضرب المجتمع الفرنسي في كل ما يتعلق بالإسلام. برزت مؤخرا في قاموس الميديا الفرنسية كلمة جديدة: «BURKINI» أو «البوركيني»، هذه الكلمة المنحوتة نتيجة عملية دمج بين كلمة «بكيني» وهو «البرقع» المعروف الذي تلبسه النساء في بعض البلدان الإسلامية، و«مايوه» السباحة النسائي «الغربي»، الذي يكشف أكثر مما يغطي من جسد المرأة. وموضة «البوركيني» أخذت في الانتشار غربيا، لا بل إن بعض ماركات الثياب الرياضية اقتنصت الفرصة لتسوق لـ«البوركيني» الذي هو رداء السباحة الخفيف الذي لا يكشف من جسد المرأة شيئا، وهو يمكنها من أن تستمتع هي الأخرى بالرياضات المائية، وأن تحافظ في الوقت عينه على تقاليدها. كان يمكن لأمر كهذا أن يمر دون جدل. فلا أحد مثلا يحتج على ارتداء البكيني أو على تعرية صدر المرأة، وهو أمر شائع على الشواطئ الفرنسية، ولا يثير انتباه أحد. كذلك، فإن بعض البلديات في المناطق الساحلية، خصصت أجزاء من الشواطئ لهواة العري الكامل، نساء ورجالا. وهذا أيضا أصبح جزءا من الثقافة الغربية والفرنسية. لكن وجود مجموعة تفرض لباسا كاملا على «المرأة وحدها دون الرجل» ووجه بالرفض، وذكر بتشريعات فرنسية منعت في مرحلة أولى ارتداء أو إبراز الشارات الدينية في المدارس وبالقانون اللاحق الذي منع البرقع في الدوائر الرسمية أولا، ثم في الأماكن العامة تحت طائلة القانون. من بين كافة المنتجعات المتوسطية الفرنسية، تعد مدينة «كان» أبرزها بسبب احتضانها المهرجان السنوي للسينما، وبفضل فنادقها الفخمة ومتنزهاتها التي تجذب عشرات الآلاف من المصطافين والسياح سنويا؛ ولأن رئيس بلديتها ديفيد ليسنارد، الذي ينتمي إلى حزب «الجمهوريون» اليميني أراد أن يكون سباقا، فقد أصدر أمرا إداريا يمنع بموجبه ارتداء «البوركيني» على شواطئ مدينة كان. أما المرأة التي تخالف الأمر الإداري، فستفرض عليها غرامة قيمتها 38 يورو. وجاء في قرار المنع الذي يستهدف، كما هو واضح، الشابات والنساء المسلمات اللواتي يخترن «البوركيني» أن الوصول إلى الشاطئ والاستحمام «ممنوعان على كل شخص لا يحترم العادات المعمول بها و(مبدأ) العلمانية وقواعد الأمن». كذلك، ينص الأمر الإداري على أن «كل ثياب يتم ارتداؤها من أجل الاستحمام ذات مدلول يخالف هذه المبادئ ستمنع». وفي رد على سؤال لمجلة «الإكسبريس»، قال رئيس البلدية إن ارتداء أي ثياب للاستحمام في البحر «يمكن أن تدل بشكل واضح على انتماء ديني في الوقت الذي يهاجم فيه الإرهابيون أماكن العبادة من شأنه أن يخلق مشكلات أمنية، كالتجمعات أو الصدامات.. وبالتالي من الضروري منعها». وأضاف ليسنارد «نحن لا نمنع الحجاب ولا الكيبا (القبعة اليهودية)، ولا حمل الشارات الدينية. أنا أمنع فقط ثوبا هو رمز للتطرف (على حد قوله)؛ إذ إن هناك قواعد يتعين احترامها في الأماكن العامة». ويذهب المدير العام للخدمات في بلدية كان إلى اعتبار «البوركيني» «رمزا للانتماء لحركات إرهابية أعلنت الحرب على فرنسا». الواقع أن واقعة مدينة كان ليست حالة منعزلة؛ فقبل أيام: «الاثنين الماضي» قرر رئيس بلدية «بين ــ مياربو» «وهي مدينة صغيرة قريبة من مرسيليا» حرمان جمعية نسائية ناشطة في مرسيليا واسمها «Smile 13» من استئجار مسبح خاص واقع في مدينته أواسط سبتمبر (أيلول) المقبل من أجل تخصيصه للنساء الراغبات في أن يأتين للاستحمام بلباس «البوركيني». وكما في حالة كان، فإن رئيس بلدية المدينة المذكورة أصدر أمرا إداريا منع فيه تأجير المسبح للجمعية؛ بحجة تدارك «الإخلال بالنظام العام». ولم تتأخر شخصيات سياسية يمينية معروفة كالنائبين إريك سيوتي وجان فرنسوا كوبيه من اعتبار قرار المنع بمثابة «انتصار للقيم الفرنسية». بيد أن مشكلة هذه القرارات أنه ليس لها أي سند قانوني. فلا شيء في القانون الفرنسي يمنع «البوركيني»، بل البرقع، وبالتالي فإن الكثير من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان قررت اللجوء إلى القضاء لكسر القرارات الإدارية. لكن الواضح أن المناخ العام في فرنسا في الوقت الحاضر بالغ الحساسية، والاعتداءات الإرهابية جعلت كل ما هو إسلامي موضع تشكيك وحذر. وما يزيد الأجواء ثقلا أن السياسيين لا يترددون في ركوب الموجة. وآخر ما جاء به الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي سيخوض المنافسة الداخلية للفوز بتسمية حزبه «الجمهوريون» حتى يكون مرشحه للرئاسة في انتخابات الربيع المقبل، وضع شروطا لحصول المولودين على الأراضي الفرنسية من أبوين أجنبيين، على الجنسية الفرنسية، وهي القاعدة المعمول بها في فرنسا منذ عقود. ما زلنا في أول الغيث، والثابت أن الأشهر المقبلة ستكون في فرنسا حبلى بالكثير من المفاجآت. السباق انطلق والمزايدات معه، ولا أحد يدري ما الذي سيأتي بعد حرب «البوركيني».

مشاركة :