تعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أهم مقاييس النجاح الاقتصادي لأي بلد، فهي تمثل تصويتاً بالثقة بأداء اقتصاد البلد وبتوافر الاستقرار السياسي والأمني ووجود أوضاع مؤسسية وقانونية تحمي رؤوس الأموال وتؤكد إمكانيات انتقال الأموال من الداخل إلى الخارج وبالعكس وبسلاسة ومرونة. ولتمكين الاستثمار الأجنبي من العمل بشكل مؤسساتي ووضع خارطة طريق واضحة المعالم تم إنشاء الهيئة العامة للاستثمار في عام 1420 بقرار من مجلس الوزراء والهيئة جهاز يتمتع بالشخصية الاعتبارية، والغرض الأساسي لإنشائه هو العناية بشؤون الاستثمار في المملكة التي تمتلك فيها مزايا نسبية عالية، فالمملكة هي القلب النابض في قلب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي يبلغ تعداد سكانه 400 مليون نسمة. والمملكة تعتبر ضمن الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم، والمرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تحتل المركز 22 ضمن 185 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة أداء الأعمال وفقا لتقرير «ممارسة أداء الأعمال» لعام 2013 الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي. المملكة أيضا هي أكبر سوق اقتصادي حر في منطقة الشرق الأوسط، إذ تحوز على 25 % من إجمالي الناتج القومي العربي، إضافة إلى أنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم (25 %) وتوفر الطاقة للمشاريع الاستثمارية بأقل الأسعار على مستوى جميع دول العالم مما يجعل المملكة الوجهة المثالية للمشاريع التي تعتمد على استهلاك الطاقة، إضافة إلى عدد من الموارد الطبيعية الواعدة في مجال التعدين. فالسؤال الذي يطرح نفسه هل نجحت مشاريع الاستثمار الأجنبي وما هي سلبيات الاستثمار وإيجابياته وما المعوقات الحقيقية التي تواجه المستثمر الأجنبي وما موانع دخول رؤوس المال إلى السوق السعودية، وهل الإجراءات البيروقراطية تعتبر حائلا دون توسيع دائرة الاستثمار وهل المستثمر الأجنبي هو منافس للمستثمر المحلي أو مكمل له. «عكاظ» طرحت هذه التساؤلات على عدد من المختصين في الشؤون الاستثمارية والعقارية والتجارية لتشخيص وضع وخارطة طريق الاستثمار الأجبني في المملكة، فمن جهته أوضح سليمان الخليوي الخبير في الشؤون العقارية أن رفع مكانة الاقتصاد السعودي وتشجيع الاستثمار الأجنبي أمر مهم جدا ويشكل أحد أهم أسس الاستقرار في المملكة لعدة أسباب لا تخفى على كل متخصص، لذا من الأهمية الوقوف بكل شفافية لدراسة وضعية الاستثمار الأجنبي وكيفية تسهيل عملية الاستثمار وإنهاء التعقيدات التي يواجهها المستثمر الأجنبي. وتابع قائلا إن الدول ومكانتها وقوتها أصبحت تقاس بقدرة الاقتصاد والمكانة الصناعية، ولا شك أن وطننا لديه كافة المؤهلات ليكون في مصاف الدول المتقدمة.. ويرى الخليوي أن مشاريع الاستثمار يجب أن تقتصر على المشاريع العملاقة والكبيرة التي تعود بالنفع الاقتصادي والمالي على المملكة وبشكل خاص على السعودة وتأهيل الشباب السعودي للعمل في هذه الشركات للاستفادة من تجاربها التراكمية. وزاد، «نحن نرغب أن يستفيد المستثمر الأجنبي ولكن يجب أن لا ننسى المستثمر السعودي الذي يجب أن تكون له الأولوية في مشاريع الاستثمار في الداخل أو على الأقل أن يشارك مع الشركات الأجنبية في هذه المشاريع بالنسب التي يتم الاتفاق عليها لكي يعود النفع عليه». وأضاف الخليوي أنه على سبيل المثال هناك تخوف المقاول السعودي من منافسة المقاولين الأجانب له، خاصة أن المشاريع الاستثمارية الكبرى تذهب للمقاولين الأجانب ولا يكون للمقاول السعودي نصيب منها، مطالبا بإيجاد معايير متساوية للمنافسة، وأن لا يعفى المقاول الأجنبي من الاشتراطات التي تطبق فقط على المقاول السعودي حيث يحصل المستثمرون الأجانب على مميزات لم يستطع المقاول الوطني أن يحصل على جزء بسيط منها. وأضاف الخليوي أن المقاولين ينظرون لقطاعهم أنه بمثابة الرافعة الرئيسية للصناعة الوطنية فهم أكبر عملاء المنتجات الوطنية على الإطلاق، مطالبا بإنشاء هيئة للمقاولين تسهم في تنظيم القطاع وتعزيز تواجده على الساحة المحلية وتعزز مكانة المقاول السعودي ليصبح منافسا شريفا للمستثمر الأجنبي ومكملا له. من جهته تحدث عبدالحكيم السعدي رجل الأعمال عن قطاع المقاولات الذي يعتبر أحد القطاعات الرئيسية للاستثمار قائلا إن المعطيات المعاشة حاليا على أرض الواقع تؤكد أن غالبية المقاولين الأجانب الذين يعملون حالياً في السوق السعودي ولدوا من رحم قطاع المقاولات الوطني فبعض المهندسين غير السعوديين كانوا يعملون في شركات مقاولات سعودية، وعند فتح نظام الاستثمار الأجنبي قاموا بإنشاء شركات لهم وظلوا يعملون في السوق بنفس الخبرات التي اكتسبوها من السوق المحلي، وأشار إلى أن الشركات الأجنبية ستكون متخوفة من الدخول في سوق المقاولات السعودي بشكل فاعل، وأضاف أن قطاع المقاولات يعد ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية بعد النفط من حيث الإسهام في الناتج الإجمالي حجم استثماراته هذا العام فاقت الـ 200 بليون ريال في مختلف المشاريع، مبيناً أن هذا الرقم يعكس أن المقاولات هو القطاع الأكثر ديناميكية فهو المحرك الرئيسي لقطاعات تجارية وصناعية وخدمية لا حصر لها تساهم في خلق الوظائف وتدوير الثروة وخلق الاستقرار والتوازن لكل عوامل السوق المحلي موضحا أن هذا القطاع يجب أن يكون للمستثمر السعودي قصب السبق فيه. أما محمد حجازي الخبير في الاستثمارات العقارية أوضح في معرض رده على سؤال حول معوقات الاستثمار الأجنبي أن من أهم هذه المعوقات هي التباطؤ وعدم الإسراع في إنجاز متطلباتهم في وقت قياسي كما يحدث في بعض الدول الخليجية، موضحا أن المطلوب أن تكون للمملكة الريادة في تمكين استثمارات نوعية لتنمية مستدامة. وتابع قائلا، بالنسبة لنجاح جذب الأموال للاستثمارات في المملكة فإن ذلك لم يحقق بالشكل الكامل موضحا أن هناك نجاحا ولكن ذلك ليس مرضيا. ويري حجازي أن الشركات الاستثمارية في المملكة ليست بالكم والكيف المطلوب، مشيرا إلى أن بعض المستثمرين الأجانب لم يقوموا بتوظيف السعوديين.. وطالب هيئة الاستثمار بجذب الشركات ذات التميز في التقنية والمعرفة والتي تساعد في توظيف السعوديين، وحول إن كانت أنظمة الاستثمار الأجنبي تحتاح لتعديلات تتماشى مع المتغيرات الاقتصادية العالمية قال من الطبيعي أن يتم ذلك فتعديل الأنظمة وتسهيل الإجراءات يحفز المستثمر الأجنبي وتعقيد الإجراءات يبعده لأن تقليص الإجراءات يساعد المستثمر ويجعله يشعر بالأمان والراحة مستشهدا بالإجراءات السهلة التي تتبعها بعض الدول الخليجية في هذا الخصوص. أما صودير الرفاعي الخبير في المجال التجاري والعقاري قال إن هدف الاستثمار الأجنبي يجب أن يكون عبر توطين وجذب الاستثمارات من خلال تحسين البيئة الاستثمارية وتطوير الحوافز ورفع مستوى الخدمات بأيدي وكفاءات مميزة وبناء شراكات فعالة مناخ الاستثمار في المملكة. ويري أنه يجب إعطاء الأولوية للمستثمر السعودي وأن يكون نشاط المستثمر الأجنبي مكملا للسعودي وليس منافسا له. وقال إن هناك العديد من الأسباب الداعية للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية في المملكة التي تعتبر أكبر سوق اقتصادي حر في منطقة الشرق الأوسط، إذ تحوز على 25 % من إجمالي الناتج القومي العربي. وأضاف أن الموقع الجغرافي للمملكة يجعلها منفذاً سهلاً لأسواق أوروبا وآسيا وأفريقيا، ويتمتع سوقها بقدرة شرائية عالية كما يشهد سوقها المحلي توسعاً مستمرا. الجدير بالذكر أن المملكة من أسرع الدول في النمو الاقتصادي على مستوى العالم، حيث إنه من المتوقع أن يزيد نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 33500 دولار أمريكي بحلول عام 2020 بعد أن كان 25000 في عام 2012. ويعتبر الريال السعودي من أكثر العملات في العالم استقراراً، حيث لم يكن هناك تغير كبير في قيمة صرفه خلال الثلاثة العقود الأخيرة ولا توجد هناك أية قيود مفروضة على الصرف والتحويل بالعملات الأجنبية وتحويل رؤوس الأموال والأرباح للخارج، أما بالنسبة لمعدلات التضخم في المملكة فهي منخفضة جداً، وتسعى المملكة لتوقيع اتفاقيات ثنائية مع عدد من الدول فيما يتعلق بتشجيع وحماية الاستثمار، ومنع الازدواج الضريبي. وتتميز البيئة الاستثمارية في المملكة بتطورها المستمر، ويمثل ذلك عامل جذب للاستثمار الأجنبي إلى المملكة، ويعتبر المجلس الاقتصادي الأعلى السعودي المسؤول عن رسم السياسة الاقتصادية وبلورتها وتدبير الشؤون والقضايا الاقتصادية وإدارتها والتركيز على بناء اقتصاد وطني فعال منتج حسبما تقتضيه المصلحة، ومن ذلك الإشراف على الاستثمارات الأجنبية وتشجيعها، وعلى ضوء توجيهات المجلس فقد أصدرت المملكة نظام الاستثمار الأجنبي عام 2000، قدمت فيه حوافز تنظيمية من أهمها: • تأسيس الهيئة العامة للاستثمار لتكون الجهة المسؤولة عن إعطاء تراخيص الاستثمار للمستثمرين الأجانب والتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة من أجل إكمال إجراءات الموافقة والتصديق عليها. • سرعة البت في الطلبات وتسجيل المشروعات وإنهاء الإجراءات التنظيمية خلال 30 يوماً من استيفاء متطلبات ومستندات منح الترخيص من الهيئة العامة للاستثمار. • تمتع منشآت الاستثمار الأجنبي بالمزايا والحوافز والضمانات التي تتمتع بها المنشآت الوطنية بحسب الأنظمة والتعليمات. • تعديل نظام الشركات بإلغاء الحد الأدنى المطلوب لرأس المال للشركات ذات المسؤولية المحدودة. • تملك العقارات ذات العلاقة المباشرة بالمنشأة المرخصة من الهيئة بما في ذلك الإقامة والسكن للموظفين. • السماح بتحويل رأس المال والأرباح للخارج. • حرية حركة الأسهم بين الشركاء وفقاً للأنظمة ذات العلاقة. • حق المشروع المرخص به في كفالة المستثمر الأجنبي وموظفيه من غير السعوديين. • التمتع بالمزايا المتاحة حسب الاتفاقيات الثنائية والجماعية المتعلقة بالضرائب والاستثمار. • عدم وجود ضرائب على الدخل الفردي. • الضرائب على الشركات تبلغ 20 % من صافي الأرباح. • إمكانية ترحيل الخسائر لسنوات مقبلة فيما يتعلق بالضرائب. • للمستثمرين الأجانب الحق في الاستفادة من المؤسسات التمويلية المتخصصة المحلية والدولية بحسب الأنظمة ذات العلاقة والتي تشمل: o صندوق التنمية الصناعية السعودي. o الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. o صندوق النقد العربي: وهو يعمل على تعزيز التنمية للأسواق المالية العربية والتجارة البينية للدول الأعضاء ويعطي المشورة للدول الأعضاء بشأن استثمار مواردها. o برنامج تمويل التجارة العربية: يمنح القروض متوسطة الأجل وطويلة الأجل إلى الأفراد والمؤسسات التجارية لدعم التبادل التجاري وتمويل صفقات القطاع الخاص. o المؤسسة العربية لضمان الاستثمار: توفر مظلة التأمين للاستثمارات وائتمانات الصادرات بين الدول العربية ضد المخاطر التجارية وغير التجارية. o البنك الإسلامي للتنمية: يساهم في رؤوس الأموال الاستثمارية للمشروعات، ويمنح القروض للمؤسسات والمشاريع الإنتاجية، ويقبل الودائع لتعبئة الموارد المالية بما يتمشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتبقى المملكه مجالاً خصباً للاستثمار، فهي تتمتع بميزات، أهمها القاعدة المهمة من المستهلكين والأجواء الآمنة والمستقرة والذي يضمن سلامة الأموال المستثمرة. يعتبر موقع المملكة بين الدول المشجعة للاستثمار الأجنبي والحريصة على دخول رأس المال الأجنبي متراجعا، وخصوصا إذا ما قورن موقع المملكة مع باقي الدول العربية وإذا أوخذ بالاعتبار الإمكانيات المالية والبشرية والمساحة الجغرافية والموارد الطبيعية وغيرها التي تتمتع بها المملكة لأنها تفوق بكثير ما لدى الدول الأخرى.
مشاركة :