في ذكرى مرور خمسة قرون على الفتح العثماني للمشرق العربي

  • 8/15/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قبل خمسة قرون بالتمام والكمال، وفي مثل هذه الأيام من شهر أغسطس عام 1516م بدأت معركة مرج دابق التي انتهت باجتياح الأتراك العثمانيين للشام وزحفهم منها إلى مصر، ثم تمددهم - بعد ذلك - في المشرق العربي، لتشمل الامبراطورية العثمانية - على امتداد القرون التالية - مصر والشام والعراق والحجاز واليمن والبحرين والكويت، وتنهار السلطنة العربية المملوكية التي كانت حدودها تمتد من حدود ليبيا إلى الفرات ومن شمالي حلب وشرقييها إلى جنوبي الجزيرة العربية. وكما هي العادة في مثل هذه المناسبات، تجدد الجدل بين المؤرخين والمهتمين بالشأن العام: بحثًا عن إجابة لسؤال يقول: هل كان ما حدث في مثل هذه الأيام منذ خمسة قرون، خيرًا أم شرًا، ونكسة أم نكبة، ونصرًا أم هزيمة، وفتحًا أم غزوًا.. وبداية لتاريخ مجيد حقق الوحدة الإسلامية وصان استقلال البلاد العربية التي تدهورت أحوالها بعد أن فقدت مكانتها، كمعبر للتجارة الدولية باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، أم كان بداية لقرون الظلام والتخلف، التي أسدلت أستارها على الأمة العربية، في ظل الحكم العثماني ولم تتحرر منه، إلا حين هزمت تركيا في الحرب العالمية الأولى وتنازلت في معاهدات الصلح التي عقدتها في أعقاب ذلك مع الحلفاء عن امبراطوريتها، بما فيها مستعمراتها العربية، ليتقاسمها هؤلاء الحلفاء بموجب معاهدة سايكس/ بيكو. ذلك خلاف قديم بين المؤرخين والساسة العرب، يكتسب سخونته هذه المرة، لأن ذكرى مرور خمسة قرون على الفتح أو الغزو العثماني للبلاد العربية، تحل في الوقت الذي يبدو فيه أن السياسة التركية في ظل حكم أمير المؤمنين رجب طيب أردوغان تتجه لإحياء العثمانية من جديد، وتسعى لتنشيط وجودها في العالم العربي، بعد سنوات طويلة من العزلة، استمرت ما يقرب من قرن، بعد تخليها عن امبراطوريتها العربية في عشرينات القرن الماضي. ولأن الفصل بين التاريخ والسياسة - على الرغم من خطورته على كليهما - صعب، بل يكاد يكون مستحيلاً، فقد لفت نظري خلال نصف القرن الذي انقضى، بروز مدرسة في التاريخ العربي تسعى لما تسميه إنصاف العصر العثماني في التاريخ العربي بدأت تطرح ثمارها الفكرية، خلال المرحلة التي تصاعد فيها المد القومي العروبى ونشأت أساسًا داخل تيار الإسلام السياسي، واجتذبت إليها المنتمين إليه، أو المتعاطفين معه، من المؤرخين والباحثين في تاريخ العصور الوسطى والحديثة.. أصبحت كتب بعضهم فيما بعد من أعمدة مناهج التثقيف التي يدرسها أعضاء المنظمات التي يتشكل منها هذا التيار، وأساسًا للخطاب السياسي الذي تتوجه به إلى جماهيرها، لتحشدهم في صفوفها. وعلى عكس المدرستين القومية والاشتراكية في فلسفة التاريخ، التي تذهب الأولى منهما إلى أن العامل الحاسم في تطور التاريخ، هو الصراع بين القوميات، وتذهب الثانية إلى أن هذا العامل هو الصراع بين الطبقات، تذهب هذه المدرسة الثالثة إلى أن الصراع بين الأديان، أو بمعنى أدق اتباع الأديان، هو الذي يحرك التاريخ ويفسر ظواهره، وانطلاقًا من ذلك تعيد تفسير العصر العثماني في المشرق العربي وترى أن الفتح - وليس الغزو - العثماني، كان جزءًا من الدفاع عن العقيدة الإسلامية إذ هو العصر الذي أعاد إحياء الخلافة الإسلامية، بعد أن سقطت في بغداد، ولم يبقَ من آثارها سوى خليفة عباسي بلا سلطة يقيم في القاهرة، فأعاد بذلك الأمة الإسلامية لكي تكون معسكرًا فاعلاً من معسكرات الصراع الدولي. وبناءً على ذلك فقد اعتبرت هذه المدرسة، كل الحركات العروبية القومية، التي دعت إلى استقلال البلاد العربية عن الهيمنة العثمانية وروجت لمقولة إن الشعوب العربية تشكل قومية مستقلة عن القومية الطورانية التي لم تتخلَ الامبراطورية العثمانية يومًا واحدًا عنها، حركات عميلة للاستعمار الأوروبي وطابورًا خامسًا يضم مجموعة من الخونة ومن الكفرة الذين يسعون لهدم دولة الخلافة الإسلامية! وكان طبيعيًا أن يتجاهل المنتمون لهذه المدرسة حجم المظالم الاجتماعية، وأشكال القهر القومي والاستنزاف الاقتصادي والعزلة الحضارية التي تعرض لها العرب في ظل الحكم العثماني، وأن يهونوا من شأن المذابح التي ارتكبها العثمانيون في حق العرب، من السلطان سليم خان، الذي ما كاد يدخل القاهرة في مثل هذه الأيام قبل خسمة قرون، حتى أباحها لجنوده، فظل السيف - كما يقول المؤرخ العربي ابن إياس - يلعب في رقاب أهلها لأسابيع طويلة، إلى السفاح أحمد جمال باشا الذي كان يحكم الشام - أثناء الحرب العالمية الأولى - بالحديد والنار والمشانق! أما الذي حرصت هذه المدرسة عليه، فهو أن تقيد كل قادة حركة التحرر القومي والوطني العربية، في قائمة الخونة والكفرة الذين تربوا في أجهزة الاستخبارات النصرانية، وتلقوا دروسًا في الدعوة لهدم الخلافة الإسلامية، من محمد على الكبير إلى أحمد عرابي ومن سعد زغلول إلى جمال عبدالناصر ومن رفاعة الطهطاوي إلى محمد عبده ومن لطفي السيد وطه حسين إلى فرج فودة ونجيب محفوظ! وتلك هي الحقيقة التاريخية التي لا يجوز لنا أن ننساها ونحن نتذكر ما جرى لنا في مرج دابق في مثل هذه الأيام منذ خمسة قرون، حين اكتشف السلطان قانصوه الغوري أن جانبًا من جيشه قد تواطأ مع العثمانيين، فتخلى عنه، فأصابه الفالج - أي الشلل - وفقئت مرارته.. ومات قهرًا!

مشاركة :