الصمت.. هو الحالة المتطرفة جداً من العبث، من تكرار نفس المشاهد والتفاصيل التي نعرف جيداً أن لا جدوى من فعلها أو تكرارها مرات عدة، ومن جهة أخرى قد يكون مرآة عالية الوضوح لما يجوب بدواخلنا، مرآة تقول الكثير عن ذلك الوحش أو الضعيف الذي يعيش خلف وجوهنا، وعلى ذلك استطاعت المخرجة الشابة دانية الصمادي بعملها المأخوذ عن عمل المسرحي البريطاني الكبير هارولد بنتر "الصمت"، أن تعرض للجمهور رؤيتها المثقفة عن عمل خالد كهذا، وكان ذلك في مهرجان عمون لمسرح الشباب بدورته الخامسة عشر بالمركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمان. هذا العمل الذي قدمه على المسرح أداءاً كلٌ من "دلال فيّاض، محمد الجراح، ولؤي الدوايمة"، ضمن عروض إبداعات طلاب الجامعة الأردنية التي نالت شرف المشاركة بالمهرجان. "الصمت".. عندما يتحول لغة صاخبة.. يعرض العمل قصة شابين وفتاة، يحكي كل واحد منهم كيف التقى بالآخر، وعن المشاعر التي انتابتهم من خلال لقاءاتهم، حكاياتهم بالحب والخيانة والصدق والكذب، تضارب دواخلهم بالخوف والشجاعة والندم وغيرها، وذلك بتبني أسلوب "بنتر" المسرحي نفسه، الذي دائماً ما كان يتخذ العبث ركيزة أساسية بأعماله، ويبقى هذا الصراع قائماً حتى نهاية العمل الذي كللته المخرجة بمشهد متقن يرمز اغتصاب الشابين للفتاة. الإخراج والسينوغرافيا حملا العمل كاملاً على أكتافهما.. استطاعت الصمادي أن تنقل مسرح وأسلوب "بنتر" عبر رؤيتها الخاصة بشكل متقن، يدل على موهبة إخراجية كبيرة ومستقبل مهم لفنانة شابة بأول أعمالها المسرحية، فقدمت عبث المسرحي الإنجليزي بلغتها، حتى أوصلت ما يسعى العبث إيصاله دوماً إلى الناس، من انتظار وضياع وعدم فهم كامل لما يحدث، وضجر التكرار الذي يعد أساسياً لهذه المدرسة المسرحية، فأثبت من خلالها أنها مدركة جديدة لنظرته الإبداعية. السينوغرافيا هي الأخرى أوصلت تماماً ما تريده الصمادي في عملها "الصمت"، حيث اعتمد مصمم الإضاءة على أوامر إضاءة عديدة لكنها متشابهة، نجحت بفصل عوالم الشخصيات الثلاثة، وجمعهم بلحظات أخرى متخيلة. النصّ والممثلين.. وبالرغم من أن العمل كان من العروض المهمة بالمهرجان، إلا أن النص والممثلين لم يقوموا بالدور المطلوب منهم على أكمل وجه، فقد كان أداء الممثلين الشباب ضعيفاً بالكثير من الأحيان، ومبالغاً بشكل غير مدروس بأحيانٍ أخرى، باستثناء الممثلة "فيّاض" التي خدمتها خبرتها بأعمالها المسرحية السابقة بالحفاظ على إيقاعها وأدائها حتى نهاية العمل. كما أن الصمادي سقطت بمشكلة النص المترجم وغير المُعد مسبقاً، فقد كان واضحاً من منولوجات وحوارات العرض، اعتمادها على النصّ كما هو في النسخة المترجمة، ما أدى إلى ظهور العديد من الجمل بشكل متناقض أو غير مفهوم، خاصة أن "بنتر" بمدرسته المسرحية يعتمد على الإلتفاف واللعب بمعاني الكلمة الواحدة والجملة الواحدة، التي يمنحها معانٍ أخرى ليخدم العمل. وبتصريح خاص لـ"سيدتي نت" أشارت المخرجة دانية الصمادي إلى أهمية هذه التجربة بمشاركتها بمهرجان عمون لمسرح الشباب بدورته الخامسة عشر، وعن سعادتها باختيار عملها "الصمت" من ضمن الأعمال التي نالت شرف المشاركة بمهرجان مهم يُعنى بالمواهب الشابة والتجارب الجديدة، خاصة بوجود مجموعة من الفنانين الخبراء والمختصين بالعمل المسرحي.
مشاركة :