برحيل معالي الشيخ د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي عن أمانة رابطة العالم الإسلامي، ومجيء معالي الشيخ د. محمد العيسى مكانه؛ سيشهد هذا الصرح الإسلامي العتيد الذي انبعث في العام 1962 تحديا جديدا، وراهنت زملاء لي بأن الرابطة ستأخذ مسارا مختلفا، يخرجها عن تقليديتها المتوارثة مذ تلك الأعوام المديدة. أما سبب رهاني، فلأني عاصرت مرحلة د.العيسى في وزارة العدل، وشهدت للرجل صولاته وجولاته مع البيروقراطية الحكومية، والعقبات الكأداء من أولئك الموظفين الذين يريدون أن تبقى الأمور كما هي، شاهدت للرجل معاركه مع معارضي التجديد والتطوير، والرجل دؤوب جدا في عمله، وإن اقتنع بقضية أو مشروع، أنجزه ولو أقام الوزارة كلها وأقعدها لذلك. وقبل أن تروشني سهام الظنون، وأنا أكيل هذا المديح المستحق؛ فالوزير العيسى قام بتقديم شكوى للمحكمة تجاهي إبان إدارتي لبرنامج البيان التالي بقناة دليل، إذ تعرضت في البرنامج للهدر المالي بأحد أقسام الوزارة، الذي اتضح للأمانة أنه غير صحيح، وكنت أول من كتب وشكر للوزير ما أنجزه بعد إقالته من وزارة العدل، في ذلك الوقت الذي صمتت فيه الأقلام أن تشكر، وكانت فرصة لأي ناقم أن ينال منه، لكن إحقاقا لما أنجزه في وزارة العدل؛ كتبت من وحي أمانتي، رغم علمي بأن كثيرين – خصوصا بعض القضاة من خصومه يرون غير رأيي، ولكني كمواطن وإعلامي لمست أثر ما قدم، وما قام به من انقلاب في أداء وعمل وزارة العدل، وهو ما جعلني أراهن اليوم على تكرار إنجازاته في رابطة العالم الإسلامي. بالتأكيد أن المقارنة هنا غير واردة بين وزارة عدل محلية، وبين رابطة عالمية تمثل بلاد العالم الإسلامي كمؤسسة إسلامية شعبية لا ترتبط بأية حكومة بل هي هيئة مستقلة، والرابطة تعمل على جمع كلمة المسلمين، وتحقيق مبدأ التعاون والتضامن الإسلامي من أجل إعلاء كلمة الله، ورفع شأن الإسلام والمسلمين، والدعوة إلى الإسلام والسلام والخير، كما جاء في تعريفها، فضلا عن أنه ليس لها أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول، وليس لها ميل أو تفريق بين جنس من الأجناس أو لون. لي معرفة جيدة برابطة العالم الإسلامي، إذ كنت مساعدا لأستاذي الراحل د. عبدالقادر طاش –يرحمه الله أبّ الإعلام الإسلامي، حيث كلفه معالي د. عبدالله العبيد أمين رابطة العالم الإسلامي الأسبق في العام 2002، بترؤس قسم الإعلام في الرابطة، وإنشاء هيئة للإعلام الإسلامي، وباشرنا العمل هناك، ولكن بعد مضي عام اعتذر أستاذي بمجيء معالي الدكتور عبدالله التركي أمينا للرابطة، لأسباب لا داعي لذكرها هنا، ولكن تلك الفترة أعطتني لمحة جيدة عما سيواجهه الأمين العام الجديد د.العيسى، ولربما سيكون الإرث البيروقراطي الضخم، وفكر العمل التقليدي البطيء أول تحدياته وأسهلها مما سيكتشفه لاحقا من عوائق عمل كبيرة، ستحدُّ وتحاصر حركته للانطلاق والتطوير. ابتداء، أتمنى على د. العيسى أن يقوم بدعوة نخب متخصصة لورش عمل متعددة، لإعطاء رأيهم في أداء الرابطة خلال أعوامها العشر الأخيرة المنصرمات، وتقييم ما أنجزته عطفا على أهدافها، فميثاق الرابطة ينص على أنها تهدف إلى نشر مبادئ الإسلام في جميع أنحاء العالم، وأنه لا سلام للعالم إلا بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية، والعمل على تحقيق العدل والتسابق في ميدان العمل الخيري ومساندته، وبذل قصارى الجهود في توحيد كلمة المسلمين وإزالة العقبات التي يعاني منها المجتمع المسلم، واستخدام كافة الوسائل لتحقيق ذلك، والعمل على نبذ الخلافات والشعوبية والعنصرية والظلم والإفساد وكل دعوى من دعاوى الجاهلية، وتقوم ورش العمل بتحديد متطلبات المرحلة المقبلة، ومساعدته في تلمس خطواته القادمة. أهداف الرابطة الآنفة كتبت قبل ستة عقود تقريبا، ولغتها مختلفة عما يدور اليوم في العالم، وقد بات الإسلام – بفعل المنظمات المتطرفة دين إرهاب وتفجير واغتيالات، وابتليت الأمة بهؤلاء التكفيريين من جهة، والملاحدة والتغريبيين من جهة أخرى، حتى بتنا عالة على أمم البسيطة، ومن الضروري أن يحدد د. العيسى أهدافا معينة ينتقيها من بين الأهداف الكبرى من وحي حاجة الأمة الملحة، ليحققها خلال سنوات رئاسته، ويضع بصمته التي عهدناها منه، وبرأيي أن التصدي لتشويه الإسلام من الغرب وإعلامه، والتكفيريين ومنظماتهم؛ أهم ما تتطلبه الأمة والدين الإسلامي في راهن اليوم. هناك مسألة فضح التشيع الصفوي الذي ينتشر كالفيروس في بلدان العالم الإسلامي والتصدي له بكافة الوسائل، يجب على رابطة العالم الإسلامي أن يكون لها دور قوي في المرحلة الحالية لمواجهة هذا الباطل الشعوبي الذي امتطى المذهبية لزرع الفتنة في العالم الإسلامي، ولا أدرى أنحن نحمّل الرابطة فوق ما تستطيع بمثل هذا الطلب، ولكني أكيدٌ أن معالي د. العيسى يستطيع بحنكته ودهائه استثمار القوة الناعمة للرابطة وفروعها وهيئاتها المتعددة على طول بلاد العالم، وتجييرها لصالح أمثال هاته الأهداف. إن ستكتفي رابطة العالم الإسلامي بإصدار البيانات والتنديد، وينتهي دورها في عمل بعض المؤتمرات، فلن يكون د. العيسى إلا كأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، الذي تلاحقه تهكمات الشعوب بأنه وظيفته أسهل وظيفة بالعالم، إذ ليس عليه إلا التنديد فقط أمام المجازر التي تقع للضحايا في العالم، بيد أنني أزعم وبيقينية مطلقة أن معالي الأمين الجديد سيقفز بالرابطة إلى أمداء عمل أرحب، ويفعّل دورها في ميادين جديدة، تنعكس إيجابا لما يصرف عليها من أموال وجهود. رابطة العالم الإسلامي هيئة أمم عالمية، تحتاج منا اليوم تحديثا لأدوارها، ونمطية متطورة لعملها، كي نفيد حقا منها، والرهان قائم على الأمين الجديد. د عبد العزيز قاسم الشرق القطرية
مشاركة :