إيمان سوار: أرغب في شعرية الفكر وأجتهد في استثمار المعنى

  • 8/16/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تعي الشاعرة البحرينية إيمان سوار ما تريده من الشعر، وتهرب إلى ثمرة الكلمات بينما تنشد شعاع الروح. كما تفتش بإصرار، كما تقول، عن أفق لا نهائي للرؤيا، متسلحة بشهوة الكتابة، من أجل أن تقاوم اليأس ونقصه، كما قال الشاعر قاسم حداد ذات وقت. كل قصيدة نثر بالنسبة إلى إيمان مناسبة لصقل نفسها أثناء كتابتها، فهي تكتب بحماسة متكئة على الحضارة المنسلة منها وعينها على المستقبل، سعياً إلى تجديد صورة الشعر وامتداده. أصدرت إيمان سوار ديوانها «جنية أو كزهرة شمس». «الحياة» التقتها وحاورتها حوله وأيضاً حول قضايا ثقافية مختلفة.   > «جنية أو كزهرة شمس».. حدثينا عن العنوان الجميل وكيف تخلّق؟ - أردت أن يكون أول ديوان يُمثلني فكان العنوان كذلك، زهرة الشمس تدور لتبحث عن شمس الحرية، أقصد بالحرية الداخلية، وهي تحرير الذات عن طريق الشِعر، قد ترمز للتفاؤل والصداقة وهما عنصران مهمان في حياتي، وإن كان الأول أمراً أتمناه على رغم الخذلان المتكرر، زهرة الشمس جاءت في العنوان لأنها ستتكرر قصداً في نصوصي، أما الجنّية فأتركها للمتلقي. > «الشعراء زهرة شمس» من أين للشعراء أن يكونوا كل ذلك على رغم مآسيهم وحساسيتهم وجنونهم الدائم؟ - قلت في تكافؤ: «ماذا لو تفاعل الجنون؟ سنُحضر الاكتمال فيكون الشعراء زهرة شمس سنعيد التكافؤ، لئلا تتكاثف الجنيات!» الاكتمال، شغف طفولي مصاب بالخدع السينمائية كأن الجنية تقوم من العالم الباهت كي تضيء فيتفاعل الجنون بين نتيجة منطقية وأخرى افتراضية ويكون التأمل لعنة يُثيرها الشعراء بشكل اعتباطي ظاهرهُ احتواء وداخله تلاشي. .... ثم ختمتها: «الوطن ليس كوميديا لو خسرنا الوضوح سنستنجد بألفيةٍ كاملةٍ، بنصف انتباه!» محاولة لخلق مفارقة بين النتيجتين السابقتين وتوحيد المدلول الانتباه، إن الانزياح مهما توسع فهو يُشير إلى مرامٍ لمسها المتلقي بشكل واضح أو مؤول. الشاعر قد يعيش مآسي الناس إضافة إلى آلامه ويعاود طرحها كقضية أو كحياة زهرة مثلاً باختلاف الطرح الغاية واحدة، لا إمكان لتحقيق شيء ما من دون تفاؤل، حتى الحرية تخفق دونها وإن أدعينا العكس، أرى أنك توافقني الرأي في أن «الشعراء زهرة شمس» ثمة دعوة للمواساة فيها. لأن الوضع الذي نعيش وما نطمح إليه هما نقيضان، فالأول يخلق تنافراً، والثاني يبدو انسجاماً، وأنا أنظر إلى الأبعاد أرى كُل مأساة يواجهها الشعراء، هي تناقض حياة يتم رصدها باستحضار الخيال، لذا هم يختزلون الجنون، يقول بابلو نيردوا: «ميت ذلك الذي يفضل الأسود والأبيض والنقاط على الحروف بدلاً من الانفعالات الجارفة، تلك التي تجعل العينين تبرقان، وتحول التثاؤب ابتسامة، وتعلم القلب الخفقان أمام جنون المشاعر». الشعراء يُقدمون ثمرة الكلمات، يتبعون شعاع الروح ليخرجوا طاقة المعنى، لذا هم زهرة شمس، الشعراء يبحثون بإصرار عن أفق لا نهائية للرؤيا، إذاً هم زهرة شمس. يقول قاسم حداد: «ليس لليأس من الشعر هذا الجيل، بدليل أنه يتشبث بشهوة الكتابة، والكتابة نوع من مقاومة اليأس ونقصه».. لذا هم زهرة شمس. > شانغريلا القصيدة، إلى أين تأخذ إيمان سوار الشاعرة؟ - قلت في شانغريلا: «من يُشكل الصلصال من يُشبهنا سيعتصر الروح في المرآة ليتضح الحزن بلا حاجب» كي يصمد الشعر نقاومه بالخيال، شانغريلا تأخذني إلى عاصفة العزلة وبحر الأساطير. كنت أفتش عن هاجس متجدد، وربما كانت شانغريلا مجرد محطة غامضة تم عبورها، لم يبقَ إلا اسمها واندثرت تلك المدينة الأسطورية، يُقال شانغريلا هي الجنة المفقودة، وهناك تشابه بالمعنى بينها وبين جزيرة البحرين سابقاً في حضارة «دلمون» حيث تُعرف جنة دلمون بأرض الفردوس والخلود، كذلك الجنة بداية قصة آدم وحواء بداية الإنسان. أجد التأمل في الوجود يُعيد توازن الذات. نحن نصارع التشرذم لنكتشف الكون. > لا تكاد تخلو قصيدة من دون هامش تعريف للمعنى. هل كان ذلك ضرورياً؟ أم أنك لا تثقين بالقارئ الذكي؟ - بل أثق أن هذا الديوان الصغير قد يقع في يد من لا يحبّذ قراءة الشعر، وما الهامش إلا وسيلة تواصل تُشرك القارئ عبر تقاطع يحدث خارج النص، ما يُضيف تفاعلاً فورياً، لا يوجد قارئ غير ذكي ما دام اختار أن يقرأ، لكن المرونة أثناء القراءة الشعرية أمر أساسي، وإضافة التعريف تجعل الموضوع أكثر سلاسة، إن لم يكن ضرورياً فهو لن يضر. الآراء الانطباعية إضافة إلى الهوامش كانت إيجابية، خصوصاً أني أميل إلى توظيف الأسطورة، إذ الرمزية تستدعي الهامش من نفسها، وعلى رغم ذلك مازالت هناك علامات استفهام لبعض المفردات، وربما في مجموعة جديدة أُضيف هوامش من نوع آخر! > تكرر حضور «الشمس» أكثر من عشرين مرة في مجمل ديوانك الصغير. ألا ينهك هذا التكرار النص ويجعله متداعياً؟ - راق لي هذا السؤال جداً، وأقدر هذا الانتباه الذي كان مرجواً، ما هي قصيدة النثر إن لم تتداعَ، إن لم تتحطم لتنتعش عن أي بنية تقليدية سابقة؟   كلماتنا غيم وموسيقى أو شمس كلها برقيات بعنوان السلام! جاءت الشمس بصورة منفردة بمراحل تحول مختلفة، كتثبيت لطاقة الرمز برؤيا كشفية من زوايا عدة، وجاءت بشكل مزدوج إلى زهرة لسبب وضحته في الأسئلة السابقة، لست بصدد الحكم إن كان التكرار أنهك الرؤيا عن الكلمة أم أحدث اتساعاً شمل فكرة كُلية ثابتة، لكن الإخراج طمحَ أن تكون المفردة قادرة على خلق قيمة مستجدة. التكرار ليس حصراً بقدر ما هو تشعب. كُل شاعر يمر بلحظات الشعور الديكتاتورية لصنع لغة ما. يقول قاسم حداد: «الكاتب لا يخترع الكلمات، إنه ينسج علاقات جديدة لتلك الكلمات».. وقد تكون في هذا الديوان الصغير كلمة! > «لا تخف من الكمال، فلن تصل إليه أبداً». سلفادور دالي. إلي أي حد يقلقك الكمال وأنت تطرقين باب القصيدة؟ - أستعجل الأمل دائماً لخيبتي المؤكدة في الكمال! أرغب في شعرية الفكر، وأجتهد في استثمار المعنى، كُل قصيدة نثر مناسبة لصقل نفسي أثناء كتابتها، أطمح إلى كل ما هو متجدد، وكل نص فعل ناقص بالنسبة إليّ، الكمال أمر غير مُجدٍ، وعصي على الإنسان، لكني أبحث عن نور، عن توهج النفس، فخلط «قصيدة» بـ«النثر» هذا التمرد بحد ذاته يُشير إلى بلوغ الفكر ويدحض القلق، بالنسبة إليَّ الأمل مفردة أنتجتها خلايا الإنسان، علينا تسويقها جيداً! أما الكمال فهو القدرة على فهم الحياة، تقول إيزابيل الليندي: «ليس من الحكمة الوثوق بالعقل وبحواسنا المحدودة فقط لفهم الحياة، هناك أدوات أخرى للإدراك، كالغريزة والخيال والأحلام، والعواطف والحدس». > بينما يقول الشاعر درويش «لا ليل يكفينا لنحلم مرتين». تركضين أنت إلى طمأنينة الصباح. ما الذي يوده الشاعر: حلم طويل أم طمأنينة صبح وسط هذه الفوضى التي تطاول العالم؟ - الحلم اسم ساكن وفعله بعيد، أما الطمأنينة فهي أقرب في التحقيق لواقع لا يحتمل التشكيل والانتظار بقدر التنفيذ، كلاهما يكابدها الشاعر، وذلك لا يعني أن ذكر جدلية ما تنفي الأخرى بقدر ما هو طابع مأخوذ من اليومي أو من الحسي، لكل شاعر طرائق تأمل خاصة، فمنهم من يتجه إلى رؤيا درامية، ومنهم من يرتبط بالصوفية، وآخرون يتمسكون برؤيا الخلاص وغيرها ولكل منها منفذ في الدخول إلى فوضى العالم. > «أيها المهاجر، هذا صباح من عطش». عن أي صباح تتحدث الشاعرة؟ وهل يأتي العطش مبكراً في الصباحات الوليدة؟ - الصباح بداية مصير جديد لا يمكن عبوره من دون عطش، قد يطلقنا الألم نحو مهاجرة الذات إن كانت المسيرة لا تتوازن مع المشروع الإنساني، فننحرف نحو العدم بثقل، نلاحق هاجس ولادة الغيب. العطش معرّض للاحتمالات، ليس من السهل التكهن إن كان دائماً يأتي وليداً، الذات تهاجر دائماً مادام الاستقلال مجرد وهم نتصالح معه كي نعيش. يقول إدوارد سعيد: «الإنسان الذي لم يعد له وطن، يتخذ من الكتابة وطناً يقيم فيه».   > في السنوات العشر الأخيرة أنجبت الساحة الشعرية البحرينية دواوين وشعراء يعتد بتجربتهم.. كيف تلمس الشاعرة سوار هذه الخريطة ومدى تأثيرها في رسم خط متجدد وخلّاق؟ - قد نؤلف الواقع نُبيح الخيال كي نستسيغ الحياة! كلنا ضيوف في حضرة الشعر، وما تجاربنا إلا خدمة لتعزيز الإنتاجية النصية، في جدالياتها المستمرة مع التصادمات الاجتماعية والكونية، وتفعيل مستوى الإنجاز الشعري أومستوى تلقيه، نحن نطمح إلى أن تكون الحماسة متصلة بهذا الخط المرسوم والمتجدد بالشكل الأسمى على اختلاف أصنافه، لتعويض جفاف الطقوس الشعرية في البحرين، وفتح مجال أوسع يواكب التحولات الشعرية المعاصرة. يقول أمل دنقل: «ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة، ليمر النور للأجيال مرة».

مشاركة :