يواجه قطاع تأهيل وتدريب المعاقين في الدولة «نقصاً حاداً» في الكوادر المواطنة المؤهلة، ما يضطر جهات حكومية في الدولة إلى إجراء لجان مقابلات خارجية (في بعض الدول العربية)، لاستقطاب عدد كافٍ من العاملين في هذا المجال، فيما تشهد الدولة حالة «غياب كامل» لوجود مختصين مواطنين لتأهيل ذوي الإعاقة، باستثناء تخصصات العلاج الطبيعي. وتفيد إحصاءات وزارة تنمية المجتمع بأن 75% من العاملين في مراكز تأهيل وتدريب المعاقين الحكومية في الدولة من المقيمين، بينما لا تتجاوز نسبة المواطنين 25% على أبعد تقدير، إلا أن معظمهم يشغلون وظائف إدارية وليست فنية، وعدد قليل منهم في تخصصات العلاج الطبيعي، ولا يوجد مختصون مواطنون في (صعوبات النطق)، والتي تعد أحد أكثر التخصصات المطلوبة. وعزا مسؤولون ومختصون، في قطاع تدريب وتأهيل المعاقين، هذا الغياب إلى الفجوة الموجودة بين مخرجات التعليم بشكل عام، واحتياجات سوق العمل، موضحين أن معظم مؤسسات التعليم العالي تركز على تخصصات، أصبحت هناك وفرة في خرجيها بالسوق، فيما يغفلون هذا النوع من التخصصات التي يوجد طلب كبير عليها، ومزاياها المالية عالية. وتبنى رئيس لجنة الشؤون الصحية والعمل والشؤون الاجتماعية في المجلس الوطني الاتحادي، محمد أحمد اليماحي، موضوع تدريب مواطنين، ليشغلوا أماكن وظيفية معنية بإعادة تأهيل مواطنين معاقين باحثين عن عمل، أو يعملون في مؤسسات حكومية وخاصة على مستوى الدولة، مؤكداً أنه «سيطرح الأمر برلمانياً مع الحكومة في دور الانعقاد المقبل، والمقرر في شهر أكتوبر المقبل». فيما طالب عضو المجلس الوطني الاتحادي، سالم النار الشحي، بـ«توفير بيئات عمل مناسبة ومحفزة لاستقطاب كفاءات مواطنة، تستطيع أن تضطلع بدور مهم في تأهيل كوادر مواطنة تعمل في هذا المجال، كما ينسحب الأمر كذلك على القطاع الخاص نفسه، في استقطاب كفاءات مؤهلة لتدريب المعاقين، وجعل بيئة العمل إيجابية بالنسبة لهم». كشفت إحصاءات وزارة تنمية المجتمع عن أن إجمالي، عدد العاملين في مراكز تأهيل وتدريب المعاقين التابعة لها، حتى الآن، يبلغ 2347 موظفاً يشملون الوظائف الإدارية والفنية، 1755 منهم من المقيمين في الدولة، ومعظمهم من الفنيين والمختصين بالتعامل مع المعاقين، فيما لا يتجاوز عدد الموظفين المواطنين 592 موظفاً، معظمهم يشغلون وظائف إدارية أو العلاج الطبيعي. وقال مدير هيئة تنمية المجتمع في دبي، خالد الكمدة، إن إدارة الموارد البشرية في الهيئة، تواجه صعوبات عدة في توظيف مختصين ذوي كفاءة وخبرة في التعامل مع المعاقين من مواطني الدولة، فغالباً لا يتقدم أحد إلى الوظائف التي يتم طرحها، على الرغم من ارتفاع مقابلها المالي ومميزاتها الوظيفية، والإشكالية تكمن في عدم وجود هذا النوع من التخصصات في المؤسسات التعليمية الكثيرة، المنتشرة على مستوى الدولة. وأشار إلى أن الهيئة راجعت، مع مؤسسات تعليمية عدة، فلم تجد أي تخصص يهتم بهذا المجال، عدا تخصص العلاج الطبيعي في كليات الطب، غير أنه تخصص عام، فلا يوجد فرع منه لعلاج حالات الإعاقة أو تأهيلها عبر العلاج الطبيعي، متابعاً «نواجه صعوبة، حتى نستطيع استقدام العاملين في هذا التخصص من المواطنين، لنخضعهم بعد ذلك لدورات تدريبية تخصصية». ولفت إلى أن جهود الدولة في إثبات قدرات فئة المعاقين ودمجهم المجتمع لاتزال بعيدة، وغير منظور لها من قبل مؤسسات التعليم العالي بشكل دوري، ما يضطر الهيئة إلى إرسال لجان مقابلة وامتحان إلى دول عربية، لاختيار كفاءات وعناصر متخصصة، قادرة على التعامل مع فئات المعاقين، ما يوضح أن الإشكالية في السوق المحلية هي عدم وضع مؤسسات التعليم هذا النوع من التخصصات ضمن خططها على الإطلاق، لذا لا يوجد مختصون فيه، سواء من المقيمين أو المواطنين بالشكل والقدر الكافيين. تدريب الموظفين المعاقين أفاد عضو المجلس الوطني الاتحادي، سالم النار الشحي، بأن «القطاع الخاص مطلوب منه استقطاب فئات مؤهلة لتدريب الموظفين المعاقين، وهؤلاء المواطنون من ذوي الإعاقة قد يكونون من أصحاب الأمراض مثل الشلل الرعاشي، أو ضعاف البصر أو السمع، أو من ذوي مشكلات في النطق، أو ربما لا يستطيع قيادة السيارة مسافات طويلة، بينما يستطيع هذا المواطن أن يؤدي عمله، لكن ينقصه بعض التأهيل، وهنا يأتي دور المواطن المعني بالتأهيل». ونوه بتجارب بعض الدول الأوروبية والغربية، التي تعالج مشكلات المعاقين لديها، من خلال إخضاعهم لأنظمة ضمان صحي واجتماعي، فيما يشبه نظام التكافل في الإسلام، متابعاً «نحن في الإمارات دولة مسلمة، ويحثنا ديننا الإسلامي على رعاية المحتاج، وهو دور مطلوب من مؤسساتنا وشركاتنا، وفي المقابل يمكن أن تحصل الشركة على امتيازات حكومية في تصنيفها أو مشروعاتها المحتملة مع الحكومة». فتح المجال أمام المعاقين قال رئيس لجنة الشؤون الصحية والعمل والشؤون الاجتماعية في المجلس الوطني الاتحادي، محمد أحمد اليماحي، لـ«الإمارات اليوم»، إننا «تناولنا مسألة المعاقين في الدولة، خلال جلسات المجلس واللجنة، وطالبنا الجهات المختصة بدعم هذه الفئة وتحفيزها في تخصصات عدة، خصوصاً النفسية، وغيرها من التخصصات الأخرى»، موضحاً أن «الدولة تسعى إلى دعم هذه الفئة اجتماعياً، عبر توظيفها أحياناً بأوامر مباشرة في حكومات محلية، مثلما حدث في حكومة الفجيرة أخيراً». وتابع: «هذا التوجه الحكومي المهتم بفتح المجال أمام فئة المعاقين يتطلب بموازاته تدبير الوسائل اللازمة لرفع القدرات المؤسسية لدى تلك الفئة، وطالما نواجه نقصاً في ذلك، ويتحتم توفير الطرق والوسائل التي تكفل سد هذه الفجوة، وهو ما سأسعى له عبر المجلس الوطني خلال الفترة المقبلة». من جهتها، عزت مدير إدارة تأهيل وتدريب المعاقين في وزارة تنمية المجتمع، وفاء بن سليمان، انخفاض نسبة المواطنين العاملين في هذا المجال، إلى النقص الحاد في التخصصات الأكاديمية الموجودة في مؤسسات التعليم العالي، وهي التي يعوّل عليها في تأهيل الكوادر المواطنة أكاديمياً، للتعامل مع حالات الإعاقة. وأوضحت أن النقص يشمل التخصصات كافة، وأهمها الطبية، فهناك عدد كبير من المواطنين العاملين في أقسام العلاج الطبيعي، لكن لا يوجد متخصصون في التعامل مع حالات الإعاقة بالعلاج الطبيعي، وينسحب الأمر ذاته على دارسي التربية، إذ لا توجد تخصصات تعليمية لصعوبات النطق، لافتة إلى أنه في الحالات العقلية، لا يوجد تخصص أكاديمي للتعامل الاجتماعي والتأهيلي مع الإعاقات الذهنية والتأخر النمائي، كما يوجد في دول أخرى، لذا تُضطر مراكز المعاقين الخاصة، وحتى الحكومية، للاعتماد على متخصصين من دول أخرى. وأشارت إلى وجود أسباب أخرى لانخفاض نسبة المواطنين العاملين في مراكز تأهيل ورعاية المعاقين، تتمثل في صعوبة المهنة في حد ذاتها، إذ تحتاج إلى قدرات ومهارات شخصية ونفسية خاصة للتعامل مع حالات الإعاقة، وتحمّل العبء الناجم عن هذا التعامل. وتابعت أن «افتقاد هذا النوع من المهارات الشخصية، يدفع الموظف في أحيان كثيرة إلى ترك العمل، فعادة يصاب بالإحباط حينما لا يجد استجابة سريعة للتعليم والتأهيل اللذين يقدمهما لبعض الحالات، مثل التوحد، إذ تحتاج إلى سنوات عدة، حتى تستفيد مما يقدم لها». وحددت بن سليمان أهم التخصصات الفنية في التعامل مع حالات الإعاقة وتأهيلها، وتدريبها، التي تحتاج إليها المراكز الحكومية حالياً، وهي العلاج الوظيفي للحالات كافة على اختلاف طبيعتها، وتخصصات علاج ضعف قدرات النطق والتخاطب. وأشارت إلى أن «الإدارة خاطبت عدداً من الجهات المسؤولة، أو المنظمة لعمل مؤسسات التعليم العالي في الدولة، وطالبتها بإطلاق تخصصات في مجال رعاية المعاقين، وأكدت المؤسسات بدورها عدم قدرتها على فرض تخصصات أكاديمية على المؤسسات الخاصة التي تشرف عليها، والتي يزيد عددها بشكل كبير على عدد الجامعات الحكومية». وأوضحت أنه تم، العام الماضي، الاتفاق مع عدد من مؤسسات التعليم العالي، بهدف إطلاق برنامج أكاديمي، لمنح درجة الدبلوم في تخصصات التدخل المبكر وحالات التوحد، بواقع 30 طالباً سنوياً، لضمان توفير الكوادر البشرية المؤهلة، مؤكدة أن الوزارة تسعى بشكل دائم إلى زيادة نسبة المواطنين العاملين في مجال رعاية وتأهيل المعاقين، بهدف الوصول إلى نسبة توطين 100%. وتابعت أن إشكالية حالات الإعاقة، خصوصاً التوحد، تتمثل في أن المتوحد يعتاد شخصاً محدداً، يكسب ثقته، وتتطور حالته معه، وفي حال تغيّر هذا الشخص، يحتاج الأمر إلى مدة زمنية جديدة، حتى يعتاد المتوحد الشخص الجديد، قبل أن يبدأ معه من حيث انتهى سابقه، لافتة إلى أن إشكالية الاعتماد على المقيمين، تكمن في إمكان مغادرتهم الدولة لأسباب قهرية مفاجئة، ما يتسبب في انتكاسة حالة المعاق. فجوة التعليم وقال المدير التنفيذي لبرنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية (كوادر)، عيسى الملا، إن تخصصات التعامل مع المعاقين، كغيرها من تخصصات عدة مطلوبة في سوق العمل، تواجه إشكالية عدم التفات المؤسسات التعليمية لها، سواء بالتشجيع والتعريف بها في التعليم الأساسي، أو طرح تخصصات جامعية لها في التعليم العالي، والدور الوحيد الذي يمكن لجهات تطوير الكوادر القيام به، هو استقطاب دارسي أقرب التخصصات للعمل المطلوب، وإخضاعهم لدورات تدريبية، وتطوير مستواهم على يد خبراء في هذا المجال، لكن هذا الدور لن يحل الأزمة كون التخصص المطلوب يعاني شبه انعدام للكوادر، وليس نقصاً فحسب. وتابع: «تحدثنا طويلاً عن أزمة الفجوة بين التعليم والاحتياجات الحقيقية لسوق العمل، لكن الإشكالية أن الأمر بات يعتمد على مبادرات الجهات التي تحتاج لهذه التخصصات، فالمؤسسة التي لديها حاجة فعلية تبادر بنفسها بالاتفاق مع جامعة أو كلية، لطرح تخصص جامعي بعدد مقاعد معين لها، حتى تضمن وجود من يسد الشواغر لديها، لكن تبقى الأزمة مستمرة مع زيادة أعداد خريجي التعليم العالي في تخصصات لا حاجة للسوق بها، ما يعرقل خطط التوطين، أو يتحول الأمر إلى شكل صوري فحسب». ولفت إلى أن فئة المعاقين تواجه إشكالية مزدوجة: الأولى إيجاد مختصين يأهلونهم ويدربونهم للارتقاء بمستواهم، لإمكانية تحقيق دمج فعلي لهم في المجتمع، والثانية تطوير مستوى المعاق نفسه، لضمان الحصول على وظيفة له تحقق غرض الدمج. هيئة اتحادية من جهته، طالب نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة «الثقة للتوحد»، المتخصصة في العلاج المجاني لهذا النوع من الإعاقات، فهد بن الشيخ، بإنشاء هيئة اتحادية، تختص بأمور المعاقين وتعمل على تأهيل وتدريب جيل من المواطنين بشكل عملي على التعامل مع هذه الفئة من المجتمع، وتطرح لهم عبر مؤسسات التعليم العالي الحكومية في الدولة برامج بكالوريوس متخصصة، في ما تم تدريبهم عملياً عليه، ما يضمن خلال سنوات قليلة إيجاد عدد من المختصين المواطنين، القادرين على ملء هذه الشواغر. وأوضح أن هذه الهيئة ستتولى دور ترخيص العاملين في هذا المجال، للتأكد من درجاتهم العلمية في المقام الأول، وخبراتهم وكفاءتهم العملية، وستعمل على استقطاب كفاءات من خارج الدولة، يكون دورها الأساسي الارتقاء بمستوى الدارسين من المواطنين، وتدريبهم عملياً خلال الدراسة، على تأهيل الحالات الموجودة في المراكز الحكومية. وأشار إلى أن المبادرة، التي أطلقتها منظمة «الثقة للتوحد» أخيراً، لإنشاء مركز لتأهيل وتدريب أطفال التوحد مجاناً في دبي، عانت ندرة المختصين والكفاءات التي يمكن الاعتماد عليها في هذا العمل الخيري، إذ لم يتقدم أحد من المواطنين لسد الشواغر التي طرحت، كما أن مستويات المتقدمين من المقيمين معظمها دون المستوى المطلوب لتحقيق هدف المبادرة، لذا تم استقطاب بروفيسور عالمي متخصص في تأهيل هذا النوع من الحالات، وطاقم من الاخصائيين في هذا المجال للإشراف على عمل المركز، والارتقاء بمستوى العاملين فيه. تبني برلماني برلمانياً، تبنى رئيس لجنة الشؤون الصحية والعمل والشؤون الاجتماعية في المجلس الوطني الاتحادي، محمد أحمد اليماحي، موضوع تدريب مواطنين، ليشغلوا أماكن وظيفية معنية بإعادة تأهيل مواطنين معاقين باحثين عن عمل، أو يعملون في مؤسسات حكومية وخاصة على مستوى الدولة، مؤكداً أنه «سيطرح الأمر برلمانياً في دور الانعقاد المقبل، والمقرر في شهر أكتوبر المقبل». وأشار اليماحي إلى «ضرورة تبني الموضوع على المستوى الاتحادي، وأن تعمم التجارب الناجحة في بعض الإمارات، ففئة المعاقين لديها طاقة إيجابية تجاه العمل، ويمكن - ببعض التغييرات والتحديثات - أن نسهم في دمج هذه الفئة في الوظائف، من خلال توفير كوادر مواطنة مؤهلة، تعنى بتدريبهم ورفع قدراتهم». مسوغات تعيين ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لعضو المجلس الوطني الاتحادي، سالم النار الشحي، الذي أكد «ضرورة تسهيل مسوغات تعيين فئة ذوي الإعاقة في وظائف القطاعين الحكومي والخاص، لاسيما أن المواطن المعاق يعاني كثيراً عند التأقلم مع الوظيفة، ما يفرض علينا توفير كوادر مؤهلة لتدريبهم ودمجهم في بيئات العمل المختلفة». وأضاف: «موظف القطاع الخاص المواطن يحتاج إلى ساعات عمل أكثر مراعاة لاحتياجاته الخاصة، وأيضاً وظيفة تتلاءم مع إعاقته، وتراعي الجانب الصحي لديه، وتقييم منصف، وتالياً هم يحتاجون إلى من يؤهلهم لكل ذلك، وأعتقد أن هذا الدور إذا توافر في مواطن فسيكون أفضل بكثير».
مشاركة :