التهاني والتبريكات التي تبرعمت على الشفاه المحبة لكم، تزرع البهجة في قلوبكم المقبلة على الحياة بأثواب جديدة، فقد خلعتم عهد العيش المنفرد بكل ما فيه من وحشة، وأقبلتم على العيش المزدوج المأنوس، بآمال تبدأ بالحب، ويتوسطها الحب، وتدوم حتى آخر قطرة من الحياة بالحب. مشروع الزواج مشروع عمر، بدأ ليستمر، كل يوم يمرُ يزرع وتدا جديدا يثبِتُ جنباتِ خيمته الظليلة أكثر.. كلُ ولد يهُلُ، يزيد الميثاق الخالد غلظة وقوة وتماسكا. وما تسمعونه من تعثر يحدث في السنة الأولى من الزواج، لا يعرفه أكثر من 97% من الشباب والفتيات الذين تفيأوا ظلال برنامج طريف، اسمه: (تأهيل) تهادت أضواؤه وظلاله في كل مدينة، بدعم كريم من وطنكم الكريم، لا يزيد زمنه على نصف يوم فقط: 12 ساعة، مفرقة على ثلاثة أيام. وقد فضلتُ أن أهديكم مع من أهداكم بمناسبة زواجكم، هذه الباقة التي اشترك في قطفها، ولفها، وتغليفها، عشرات المختصين. في الفترة الأخيرة تضخم لدى الناس (الاستهلاك الجائر) الذي لا ينبع من حاجة، ولا تطيقه الميزانية الشخصية، ويتجاوز حتى طموحات الفرد، الذي يجد أنه مجرد ضحية ضغط مجتمعي، ويتوهم أنه مجبر على الاستجابة له، فيضطر وما من اضطرار إلى الاستدانة من البنوك والأصداقاء والأقرباء، ليسد عجزا وليس بعجز في الإنفاق على كماليات يرى من حوله مندفعين لها دون لجام، فيندفع معهم، فقط حتى لا يقال: إنه أقل شأنا منهم، أي لتحقيق المظهرية في (يوم) أو (شهر).. ينشأ عنها بعد ذلك إخلال بالكفاية المالية لسنوات، حين تجتاح الأقساط الشهرية الراتب المسكين من كل جانب، حتى تهلكه. وبطبيعة الحال، فالزوجة سوف تطالب بالنفقة، والترفه، والسفر، والسكن المناسب، والسيارة الأجمل، والماركات، وهنا يحدث العجز الذي تسميه المرأة بخلا، وبناء عليه تبدأ المشكلات التي قد تنتهي نهاية مأسوية. والحل ليس صعبا، كل ما تحتاجه أن تتعلم أيها الزوج كيف تدير أموالك، وكيف تدبر أسرتك، وكيف توزع دخلك بين صرف وادخار واستثمار. ومما ينغص على الزوجين سوء اختيار الكفء، والاعتماد على اختيار الآخرين، دون النظر الشرعي، والسؤال الكافي عن الطباع، والعلاقات، والاستقامة، فيتفاجأ أحدهما بما لا يطيق العيش معه، ثم يجهل كيف يعالج الأمر، فيهرب إلى أسهل الحلول وأسوئها وهو الطلاق. والحل ألا يكتفي الخاطب والمخطوب بعين غيره في الاختيار والنظر والسؤال، بل عليه أن يكون حاضرا بقوة في كل ذلك، وإلا فليعتذر إذا أصر الطرف الآخر على إخفاء معلومة مهمة، أو الامتناع عن النظر لعادة أو تقليد خاطيء. ولكون العلاقة بين الزوجين علاقة نفسية وجسدية، فإن نظافة الجسد، ورائحته، والاهتمام بالقيافة العامة، مطلب رئيس، يهدد الأمن النفسي، والاستقرار الأسري، مع أنه يبدو ثانويا عند النظرة العابرة غير المتعمقة. ومما يحفظ الحياة الزوجية، ويجعلها راسخة الجذور، متماسكة الأركان في وجه الرياح المزلزلة، شيئان: قوة الوازع الديني، والحب، فبالأول يعقد الزوجان علاقة ربانية طاهرة، يشعران فيها بالأمان، ويبتعدان عن أكثر أسباب الفراق شيوعا، من انحراف، وعلاقات مشبوهة، وظلم، وضعف في أداء الحقوق الشرعية بينهما. وبالثاني: (الحب) تُبنى السعادة القلبية، ويتحمل الحبيبان كثيرا من الهنات والأخطاء التي هي من طبيعة الحياة، وكلما كانا ماهرين في التعبير عن المشاعر قولا وفعلا، ازدادا ألفة ومودة ورحمة. وهنا تظهر الأهمية البالغة للثقافة النفسية، فالقدرة على فهم السمات النفسية، والمعرفة والإلمام بأنماط الشخصية التي يُتعامل معها، يوفر كثيرا من العناء الذي يشعر به كل منهما، وهو يحسُ بغموض صاحبه، وعدم قدرته على اقتحام عالمه الداخلي، وغياب ذلك قد يؤدي إلى تفاقم مشكلات صغيرة، تسيطر على الأجواء، في ظل ضعف القدرة على فن التعامل مع المشكلة، وتطويقها، والحد من انتشارها، ثم تحليلها، وإنهائها بأقل الخسائر. وإذا كان الشاب معنيا في الإقبال على الزواج بالتحصين الجسدي، فإن الفتاة أحوج ما تكون إلى التحصين النفسي في السنة الأولى من الزواج بالذات، فكلما امتلأت بالمشاعر من قبل زوجها، اطمأنت، وأعطت، ويبقى التأثير الأكبر بعد ذلك للوسط الاقتصادي الذي تعيش فيه، فإذا كانت واعية تعاملت مع واقع زوجها، وليس مع مستوى من حولها، وساعدته على تخطي العقبات، وسد الديون، والارتقاء التدريجي في الارتفاع بمستوى الدخل، والادخار، رافضة أي تدخل في خصوصياتها وخلافاتها مع زوجها من أي شخص مهما كان قريبا منهما، إلا إذا احتاجت إلى ذلك حاجة ضرورية. الحياة الزوجية شراكة عمر، ومنظمة لها قائد: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}، بهذا المنطق المؤسسي تنطلق سفينة الأسرة الناشئة، ولسوف تختل أي سفينة لها أكثر من ربان، ولا يجتمع في غمدٍ سيفان. بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.
مشاركة :