يعتبر تمويل حزب الله من أكثر الجوانب التي يحيط بها الغموض في العلاقة بين طهران وحزب الله. لقد تقدم هذا الجانب مرة أخرى إلى الواجهة بعد نشوب الحرب في سورية ودخول حزب الله في القتال بطريقة مباشرة. وعلى الرغم من اعتماد المنظمة خلال السنوات الماضية على التمويل الإيراني، إلا أن الحزب حصل على هامش من الاستقلال الذاتي من خلال تنويع مصادر دخله عن طريق الجمعيات الخيرية ومشاريع الأعمال والشركات، سواء كانت مشروعة أم غير ذلك. في عام 2009، في كلمته في يوم القدس، وجه زعيم حزب الله حسن نصر الله شكره إلى إيران على تزويدها بالدعم الأخلاقي والسياسي والمادي والمالي، وفقاً لمقال نشرته أمل سعد غريِّب، الباحثة السياسية المتخصصة في حزب الله. هناك تكهنات كثيرة تحيط بمقدار التمويل السنوي الذي يتلقاه حزب الله. في أحد أبحاثه يقدر الباحث مات ليفيت أن المساعدة التي يتلقاها الحزب من إيران تقدر بنحو 100 مليون دولار في السنة، لكنه ذكر أيضاً أن "تقديرات الدبلوماسيين والمحللين الغربيين في لبنان تشير إلى أن حزب الله يتلقى قريباً من 200 مليون دولار سنوياً من إيران". وفي كلمة ألقاها نصر الله في عام 2006، صرح بأنه تلقى 300 مليون دولار دفعت على شكل تعويضات بعد الحرب للعائلات التي تضررت وفقدت مساكنها أثناء الحرب مع إسرائيل، وفقاً لمقال غريِّب. وقالت الباحثة، التي استشهدت بتصريح على لسان عبد الله صفي الدين، ممثل حزب الله في إيران، "إن حزب الله تلقى التمويل مباشرة من ولاية الفقيه". لكن بحسب مصادر مقربة من الحزب تضاعفت هذه المساعدات بعد اندلاع الحرب في سورية، فيُقدِّر مصدر تحدث لـ "الاقتصادية" أن احتياجات الحزب في بلاد الشام تقدر ما بين عشرة إلى 20 مليون دولار شهرياً. وبحسب المصدر نفسه يوجد نحو 5000 مقاتل للحزب في سورية. بشار الأسد يتوسط حسن نصر الله أمين عام حزب الله والرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد. لا يقتصر دعم إيران لحزب الله على شكل أموال نقدية، لكنه يمتد كذلك إلى السلع والأسلحة. منذ سنوات عدة كان الإيرانيون يسلمون أسلحة لوكلائهم عن طريق سورية. لكن يتم إرسال تمويل آخر مباشرة إلى منظمات حزب الله. يعتقد ليفيت أن تلفزيون المنار، المحطة الرئيسة للمنظمة، تلقى أموالاً عند تأسيسه. وقال: "بحلول عام 2000 ارتفعت الميزانية السنوية للمحطة لتصل إلى 15 مليون دولار تقريباً. ويعتقد المحللون والصحافيون في الشرق الأوسط أن معظم هذه الأموال تأتي من إيران". إلى جانب إيران، يتم دعم حزب الله بصورة غير مباشرة أيضاً من الجمعيات والمنظمات الخيرية، مثل "مراجع التقليد" الموجودة في إيران وبلدان أخرى. تقول غريِّب: "تتلقى المراجع المذكورة ضريبة الخُمُس، التي يدفعها أصحابها على شكل زكاة من أتباع المراجع (أي المقلدون)، حيث يعاد توزيعها إلى الفقراء والمحتاجين، وكذلك إلى منظمات سياسية معينة". تقدر غريِّب أن هناك مصدراً آخر لتمويل حزب الله، وهو من خلال شبكة من المؤسسات الدينية الخيرية، التي تعرف باسم "البنيادات"، وهي كلمة فارسية. تقول الباحثة إن هذه المؤسسات تمتلك مقتنيات ضخمة، وتسيطر على قسم كبير من الاقتصاد الإيراني. وفي السياق نفسه, يؤكد ليفيت أن إيران توجه الأموال إلى حزب الله من خلال جمعيات خيرية خاصة مرتبطة بصورة وثيقة بالنخبة الثورية التابعة لعلي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران. وتستفيد جمعيات خيرية أخرى من مساهمات أفراد الطائفة الشيعية الكبيرة، المنتشرة في معظم أنحاء العالم. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك هناك تحطم طائرة اتحاد النقل الإفريقي رقم 141 المتجهة إلى بيروت، أثناء إقلاعها من كوتونو في بنين في غرب إفريقيا في الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) 2003. وقال ليفيت، استناداً إلى مصادر إخبارية عربية، إن أعضاء من حزب الله من الذين كانوا بين الركاب القتلى كانوا "يحملون معهم مليوني دولار من المساهمات، التي جمعت من لبنانيين أثرياء يعيشون في إفريقيا، لترسَل إلى مقر المنظمة في بيروت". وهناك حالات أخرى من هذا القبيل في مناطق أخرى في العالم. في عام 2001 فتشت الشرطة في باراجواي مسكن صبحي محمود فياض، الذي كان يعمل مع حزب الله، في سيوداد ديل إسته، وهي بلدة تقع قرب الحدود الثلاثية بين البرازيل والأرجنتين وباراجواي. وقال ليفيت إنه أثناء تفتيش المنزل عثرت الشرطة على وصولات من منظمة الشهيد تشير إلى تبرعات إلى فياض، التي بلغت في الإجمالي أكثر من 3.5 مليون دولار. وأضاف ليفيت أن السلطات المحلية تعتقد أن فياض أرسل أكثر من 50 مليون دولار إلى حزب الله منذ عام 1995. إضافة إلى ذلك، يعتمد حزب الله على عدد من الشركات غير الشرعية، موجودة في مناطق مختلفة مثل أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط، بهدف جمع المال لمساندة نشاطات حزب الله حسب تقارير صحافية عدة. وفي أبحاثه كشف ليفيت أيضاً موضوع خلية في مدينة تشارلوت في نورث كارولينا، التي كانت تدار في الولايات المتحدة من قبل الأخوين محمود حمود وشوقي حمود. وفي حزيران (يونيو) من عام 2002 أدين الأخوان حمود بتهم عدة، منها تمويل أنشطة حزب الله من الإيرادات المتحصلة من شبكة لتهريب السجائر عبر الولايات الأمريكية. وأضاف ليفيت أيضاً أن الخلية كان لها فرع في كندا تحت إدارة محمد حسن دبوق وزوج شقيقته علي أدهم، تحت إمرة الحاج حسن حلو لقيس، الذي وصفه الباحث بأنه كبير المسؤولين العسكريين المسؤولين عن التوريد. وفي أمريكا الجنوبية اتُّهِم حزب الله أيضاً بالضلوع في أعمال مخالفة للقانون. تعتبر منطقة الحدود الثلاثية مهمة بصورة خاصة إلى حزب الله، حين تجمع المنظمة نحو عشرة ملايين دولار في السنة، وفقاً لدراسة من إعداد الكلية الحربية البحرية في الولايات المتحدة. ومن مشاريع المنظمة هناك برامج تحايل تشتمل على تجار من الهند وهونج كونج، وغسل الأموال، حسب بحث ليفيت. وفي إحدى القضايا، اعتقلت شرطة باراجواي علي خليل مهري، لأنه باع برامج مقرصنة بملايين الدولارات وساهم في تمويل حزب الله من خلال جزء من الأرباح. وذكر ليفيت اسم أسعد بركات، الذي "كان ضالعاً في عصابة للتزوير وتوزيع دولارات أمريكية مزورة وتوليد الأموال النقدية لتمويل عمليات حزب الله". ويعتقد ليفيت أيضاً أن حزب الله كان ضالعاً في blood diamond الألماس المرتبط بالنزاع في سيراليون وليبيريا والكونغو. واستناداً إلى تقرير من المخابرات البلجيكية في تموز (يوليو) 2000 ذكر ليفيت أن هناك دلائل تشير إلى أن أشخاصاً معينين وردت أسماؤهم في ملف بتهريب الألماس, كانوا مرتبطين بجماعات لبنانية بما فيها حزب الله. وعلى المستوى المحلي يُعتقد أن حزب الله، إلى جانب فئات سياسية أخرى في لبنان، يغض الطرف عن تهريب المخدرات. وفي مصدر من قوى الأمن الداخلي اللبناني، قال في مقابلة سابقة إن دوائر المخدرات الحالية في لبنان تعتمد في معظمها على تجارة السيارات، حيث يتم تهريب السيارات حتى تستوعب شحنات من المخدرات التركيبية إلى لبنان، ثم تعاد بعد استخلاص المخدر التركيبي وتوضع محلها أكياس من الحشيش، الذي يتم إنتاجه محلياً في وادي البقاع، من أجل إعادة التصدير إلى أوروبا. ويعتقد أن هذه الشبكة متكاملة ضمن القنوات السياسية في لبنان. ويضيف ضابط من الجيش اللبناني أنه لا يمكن الربط بين هذه المنظمات الإجرامية مباشرة مع الأحزاب السياسية، إلا أن الوسطاء الذين يعملون بصورة غير مباشرة في العملية يتلقون حماية حزب الله والفئات اللبنانية الأخرى. ويقول الضابط: "هناك في الغالب ضغط من السياسيين لإطلاق سراح الأشخاص الضالعين في تهريب المخدرات." لكن من المهم ملاحظة أن حزب الله يستخدم تهريب المخدرات هذه المرة في حربه مع إسرائيل. وفي أيلول (سبتمبر) 2002 أدانت محكمة عسكرية إسرائيلية ضابطاً برتبة مقدم في الجيش الإسرائيلي، الذي كان واحداً من عصابة مؤلفة من عشرة أفراد، بتهمة التجسس لحزب الله. وأعطى هذا الضابط معلومات سرية إلى العاملين في حزب الله مقابل المال والحشيش والهيروين، وفقاً لما يقوله ليفيت. توضحت النشاطات الإجرامية المرتبطة بحزب الله بصورة بارزة في التحقيقات الأمريكية في عام 2011، التي أدت إلى قضية جنائية أقيمت في نيويورك واتهمت حزب الله بالضلوع في شبكة لغسل الأموال كانت تهرب مئات الملايين من الدولارات إلى لبنان عبر شبكة من المصارف، وشركات السيارات المستعملة ومهربي المخدرات في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وغرب إفريقيا. نتيجة لذلك اضطر البنك الكندي العامل في لبنان إلى دفع مبلغ 102 مليون دولار لتسوية القضية. إن منظمة حزب الله المنتشرة الأطراف، شأنها في ذلك شأن المنظمات الأخرى العابرة للحدود، ونظراً لميزانيتها المتزايدة واحتياجاتها المتنامية، فإنها تفرض على الحزب أن يعتمد بصورة متزايدة على مصادر "مبتكرة" للتمويل، وهي مصادر لا تكون بالضرورة شرعية أو ملتزمة بالقانون.
مشاركة :