صديقي.. كنت ــ كعادة ــ لا أكلم الناس 6 أيام لانشغالي بمشروعي البحثي، وكان اليوم الوحيد في الأسبوع أخصصه للأقارب، قبل أن أذهب للقاء الأصدقاء في خيمة صديقنا الذي يعتقد أن العالم خسره حين لم يختاروه «أمين هيئة الأمم المتحدة» ليحل لهم كل مشاكلهم، والذي تسميه أنت «الهارب من كتاب التاريخ». كان الجدل في خيمة صديقنا حول قضية وفاة طالبة الماجستير «آمنة باوزير ــ رحمة الله عليها» التي سقطت في جامعة الملك سعود، إثر تعرضها لأزمة قلبية حادة، فرفض المسؤولون بالجامعة دخول الإسعاف بحجة أن «آمنة» دون غطاء، وأنهم لا يستطيعون إدخال الرجال لمبنى النساء. كان صديقنا المتجهم ــ كعادته في مثل هذه القضايا ــ يطرح نفس التساؤل على الجميع «ترضى أختك تكشف على غريب؟»، قبل أن يعلن «ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان»، ولم ينتبه أن هذه القضية لم تكن رجلا وامرأة بالخفاء، بل مسعفين اثنين وآلاف الطالبات والمحاضرات ومديرة الجامعة ورئيسات الأقسام. وكان يرد عليه صديقه وعدوه في آن واحد قائلا: «الدين دين يسر، والقاعدة الفقهية تقول الضرورات تبيح المحظورات»، وكأن المسعفين ما هما إلا مغتصبان علينا أن نقبل بضررهما، لمنع ضرر أكبر. فيما صديقنا صاحب الذاكرة القوية ــ لنجاح منهجنا التعليمي معه ــ كان يعرب عن دهشته لما حدث، وأنه لم يتوقع أن يتكرر هذا الأمر بعد حادثة حريق مدرسة البنات بمكة المكرمة، ليس من باب أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، بل من باب ردة الفعل وما حدث للمسؤولين في ذاك الوقت. سألني صديقنا «الهارب من كتاب التاريخ»: ما رأيك يا صديقي بهذه القضية؟ قلت له: في الأسبوع الماضي كنتم تناقشون «مشروع سيارة غزال»، وأنه مقلب «وشربه الوطن»، اليوم تتحدثون عن «غزالة» قتلت في نفس الجامعة بسبب جدل المسؤولين حول السماح بدخول من ينقذ حياتها، وهذا يجعلني أسأل «هضمتم غزال ألن تهضموا غزالة»؟. ضحك الجميع ولم يعلقوا، إذ أن مباراة النهائي بدأت، وجميع من في الخيمة ربط سعادته بأقدام اللاعبين، ويكفي هدف ليصيب بعضهم بالسعادة، فيما البعض الآخر سيشعرون أن مستقبلهم ضاع بسبب ولوج هدف في مرمى فريقهم.
مشاركة :